هل يجوز استخدام الموبايل في الحمام؟

في زمن أصبح الهاتف الذكي جزءًا من أجسامنا تقريبًا، لا عجب أن يرافقنا إلى أكثر الأماكن خصوصية مثل الحمّام.
كثيرون يعتبرون وقت “الجلوس على المرحاض” فرصة مثالية لتصفح “تيك توك”، أو قراءة الأخبار، أو الرد على الرسائل المتراكمة.
لكن، بينما يبدو الأمر عاديًا وغير مضر، تشير الدراسات إلى أن هذه العادة اليومية البريئة قد تكون أخطر مما نتصور.
في دراسة حديثة نُشرت هذا الشهر، سأل باحثون من مركز Beth Israel Deaconess الطبي في بوسطن 125 مريضًا خضعوا لتنظير القولون عن عاداتهم في الحمام.
وكانت النتيجة مفاجئة، ثلثا المشاركين قالوا إنهم يستخدمون هواتفهم أثناء الجلوس على المرحاض، ومعظمهم يفعلون ذلك أسبوعيًا على الأقل.
لكن ما أثار قلق الباحثين هو أن هؤلاء الأشخاص لديهم احتمال أعلى بنسبة 46% للإصابة بالبواسير، مقارنة بمن لا يستخدمون الهاتف في الحمام.
المشكلة ليست في الهاتف
توضح الدكتورة تريشا باسريتشا، أخصائية أمراض الجهاز الهضمي والمؤلفة المشاركة في الدراسة:
“المقاطع تبدأ تلقائيًا، ثم الفيديو التالي، ثم الذي بعده… دون أن نلاحظ أننا جلسنا على المرحاض لعشر أو خمس عشرة دقيقة. هذا الوقت الطويل يضع ضغطًا مستمرًا على أنسجة المستقيم”.
بكلمات أخرى، الهاتف لا يسبب البواسير، ولكن التمرير اللانهائي على ريلز وتيك توك يجعلنا نجلس أكثر مما ينبغي، ما يزيد الضغط على الأوعية الدموية في المنطقة الحساسة.
ماذا يحدث داخل أجسامنا عندما نطيل الجلوس؟
يشرح الأطباء أن الجلوس لفترات طويلة على المرحاض، خاصة في وضعية الانحناء للأمام أثناء النظر إلى الهاتف، يغير زاوية المستقيم والشرج، ما يجعل خروج البراز أصعب ويزيد احتمالية الإمساك.
يقول الدكتور إيمون كويغلي، رئيس قسم أمراض الجهاز الهضمي في مركز هوستن ميثوديست “حين تنحني للأمام، تضيق الزاوية التي يلتقي فيها المستقيم بالشرج، فيصبح مرور الفضلات أبطأ وأكثر صعوبة”.
وحتى إن لم يسبب الإمساك مباشرة، فإن الضغط المتكرر على العضلات الوريدية قد يؤدي مع الوقت إلى مشكلات مثل البواسير أو حتى هبوط المستقيم، وهي حالة نادرة لكنها مزعجة، يحدث فيها أن ينزلق جزء من المستقيم إلى الخارج.
توضح الدكتورة لين أوكونور، رئيسة قسم جراحة القولون والمستقيم في نيويورك: هبوط المستقيم حالة نادرة لكنها مؤلمة جدًا، وغالبًا تحتاج لتدخل جراحي. والجلوس الطويل مع الشد الزائد من العوامل المساعدة لحدوثها.
الخطر لا يتوقف عند العضلات فقط
قد لا يخطر في بالك وأنت تمسك الهاتف في الحمام أن جهازك الذكي يتحول إلى مستودع بكتيري صغير.
فبحسب الخبراء، البراز ومعه البكتيريا يمكن أن ينتقل بسهولة إلى يديك أثناء التنظيف، ومن ثم إلى الهاتف. والأسوأ أن فتح غطاء المرحاض أثناء السحب قد يطلق رذاذًا مجهريًا من البكتيريا في الهواء، بعضها يستقر على الهاتف نفسه.
تقول الدكتورة أوكونور “حتى لو غسلت يديك جيدًا، ما إن تلمس الهاتف مرة أخرى، تنقل البكتيريا إلى يديك مجددًا. قد لا يُسبب هذا مرضًا واضحًا، لكنه بكل تأكيد… مقرف!”.
حتى الآن، لا توجد دراسات تربط مباشرة بين الهواتف المحمولة وأمراض معدية بسبب استخدامها في الحمام، لكن الباحثين يجمعون على أنها عادة غير صحية.
هل يعني ذلك أن علينا ترك هواتفنا خارج الحمام؟
ليس بالضرورة. الدكتورة باسريتشا تقول إنها لا تريد من الناس أن “يعيشوا في رعب” من استخدام الهاتف، لكنها توصي بما تسميه “قاعدة الخمس دقائق”
وتقول “لا تبقَ جالسًا على المرحاض لأكثر من خمس دقائق. إذا لم تنجح العملية خلال هذا الوقت، فربما تعاني من إمساك وتحتاج استشارة طبيب”.
أما بعد الانتهاء من قضاء الحاجة، فتقترح قاعدة بسيطة أخرى: “انهض فورًا، اغلق الغطاء، ثم اغسل يديك جيدًا قبل أن تلمس هاتفك مجددًا. إذا أردت متابعة الفيديو الذي توقّف، يمكنك فعل ذلك وأنت في مكان آخر!”.
نصائح لتقليل الضرر دون التخلي عن الراحة
لأننا واقعيون، نعرف أن كثيرين لن يتركوا هواتفهم خارج الحمام، لذا إليك بعض النصائح العملية:
- التزم بخمس دقائق كحد أقصى. لا داعي لماراثون تصفح أثناء الجلوس.
- اجلس بوضع مستقيم قدر الإمكان بدل الانحناء للأمام، لتخفيف الضغط على المستقيم.
- استخدم كرسيًا صغيرًا تحت قدميك مثل “Squatty Potty” لضبط زاوية الجسم وتسهيل عملية الإخراج.
- اغسل يديك بعناية بالماء والصابون لمدة لا تقل عن 20 ثانية.
- نظّف هاتفك يوميًا بمنديل معقّم أو بخاخ مضاد للبكتيريا.
- أغلق غطاء المرحاض قبل السحب لتقليل تطاير الرذاذ.
- لا تشاهد مقاطع طويلة أو أفلامًا. الهدف هو قضاء الحاجة لا جلسة “نتفليكس مصغّرة”!
هل استخدام الهاتف يساعد على الاسترخاء؟
الغريب أن بعض الأطباء لا يرفضون الفكرة تمامًا. فهناك جانب إيجابي بسيط، التسلية تساعد على الاسترخاء، وهو أمر قد يُسهّل خروج البراز لدى من يعانون من توتر أو قلق في الحمام.
تقول باسريتشا: إذا كان تصفح الهاتف يجعلك أكثر راحة، فلا مشكلة في ذلك. لكن يجب أن تكون الجلسة قصيرة ومعتدلة.
التكنولوجيا ليست العدو
الهواتف لم تُصمم لتكون أداة ضرر، لكن سلوكنا هو ما يحوّلها أحيانًا إلى مصدر مشاكل. تمامًا كما أن الجلوس أمام الشاشة لساعات يسبب آلام الرقبة والعينين، فإن الجلوس الطويل في الحمام يؤدي إلى إجهاد عضلات الحوض والمستقيم.
من منظور آخر، قد يكشف هذا عن جانب من علاقتنا بالتكنولوجيا: نحن لم نعد نتحمّل الصمت أو الفراغ حتى لبضع دقائق. ربما كان الذهاب إلى الحمام آخر اللحظات التي نكون فيها “بعيدين عن الاتصال”، ومع الوقت، اختفت حتى هذه اللحظة البسيطة.
استخدام الهاتف أثناء الجلوس على المرحاض ليس جريمة، لكنه أيضًا ليس بلا ثمن. فالمشكلة ليست في التمرير نفسه، بل في الوقت الذي نقضيه ونحن نفعل ذلك. القاعدة الذهبية التي ينصح بها الأطباء بسيطة: “اقضِ حاجتك، نظّف نفسك، ثم اترك المكان”.
إذا احتجت إلى لحظة استراحة إلكترونية، يمكنك أخذها في أي مكان آخر… فقط ليس فوق المرحاض.