هجوم سيبراني يشل مطارات أوروبا.. ماذا حدث وما علاقة روسيا؟

شهدت عدة مطارات أوروبية رئيسية اضطرابات واسعة خلال عطلة نهاية الأسبوع، بعدما تعرض مزوّد أنظمة تسجيل الوصول والصعود للطائرات كولينز أيروسبيس (Collins Aerospace)، التابعة لشركة RTX الأمريكية، لهجوم سيبراني تسبب في شلل شبه كامل للأنظمة الإلكترونية.
تعطل مفاجئ في مطارات رئيسية
بدأت الأزمة مساء الجمعة، حينما أصيب نظام التسجيل الآلي للأمتعة وصعود الركاب بأعطال متزامنة في أكثر من مطار، كان أبرزها مطار هيثرو في لندن –الأكثر ازدحامًا في أوروبا– إضافة إلى مطار برلين براندنبورغ، ومطار بروكسل الدولي.
وفيما هرعت إدارات المطارات إلى وضع خطط طوارئ بديلة، واجه آلاف المسافرين طوابير طويلة وفوضى في مواعيد الرحلات، بين إلغاءات وتأخيرات وتحويلات مفاجئة للوجهات.
وقال متحدث باسم مطار بروكسل إن عدد الرحلات المقررة يوم الأحد جرى تقليصه إلى النصف، بقرار من سلطات المراقبة الجوية، لتفادي مزيد من الازدحام داخل الصالات.
وأضاف: “هناك تأخيرات تتراوح بين 30 و90 دقيقة، ومن غير الواضح بعد متى ستستمر هذه التعطيلات”.
أما في برلين، فأكد مطار براندنبورغ أن المشاكل ما زالت قائمة، لكنه أوضح أن العمل جارٍ على حلها بالتعاون مع الشركة المزوّدة للنظام.
مشيرًا إلى الاعتماد على حلول يدوية مؤقتة مثل كتابة بطاقات الصعود يدويًا واستخدام حواسيب محمولة احتياطية.
من جهته، أعلن مطار هيثرو صباح الأحد أن العمل مستمر للتعافي من العطل، لكنه طمأن المسافرين بأن “الغالبية العظمى من الرحلات واصلت عملها بشكل طبيعي” رغم بعض التأخيرات الطفيفة.
تداعيات واسعة على قطاع الطيران
بحسب تحليل لشركة Cirium المتخصصة ببيانات الطيران، تفاوتت حدة التأخيرات، إذ وصفت بأنها “منخفضة” في مطار هيثرو، و”متوسطة” في برلين، بينما كانت “كبيرة” في بروكسل قبل أن تبدأ بالتراجع تدريجيًا يوم الأحد.
وأشارت تقارير إعلامية إلى أن عشرات الرحلات ألغيت بالفعل في بروكسل وبرلين، فيما تحولت بعض الطائرات إلى وجهات بديلة، مما ضاعف من معاناة الركاب.
هذه الحادثة تأتي ضمن سلسلة من الهجمات الإلكترونية التي استهدفت مؤسسات أوروبية خلال الأشهر الماضية، بدءًا من قطاع الرعاية الصحية، مرورًا بصناعة السيارات، حيث أدى اختراق لشركة جاغوار لاند روفر إلى وقف الإنتاج مؤقتًا، وصولًا إلى خسائر بمئات الملايين من الجنيهات لشركة ماركس آند سبنسر بعد خرق إلكتروني آخر.
دوافع غير واضحة.. وتحقيقات مستمرة
حتى الآن، لم تعلن أي جهة مسؤوليتها عن الهجوم، فيما تواصل السلطات الأوروبية التحقيق لمعرفة مصدره.
ووفق خبراء في الأمن السيبراني، قد يكون الاختراق ناجمًا عن مجموعات قراصنة منظمة أو حتى جهات حكومية تسعى إلى إحداث اضطراب متعمد.
بعض المحللين لم يستبعدوا أن تكون روسيا متورطة في العملية بدوافع تخريبية، خصوصًا في ظل التوترات الجيوسياسية الحالية، غير أن هذه الفرضية لم تؤكد رسميًا بعد.
الشركة المالكة للنظام، RTX، اكتفت بوصف ما جرى بأنه “تعطل ناتج عن هجوم سيبراني”، وأوضحت أن الخلل أصاب برنامج MUSE المستخدم من قبل عدة شركات طيران لإدارة إجراءات التسجيل والصعود، حسب رويترز.
خسائر للمسافرين وشركات الطيران
إلى جانب المشكلات التشغيلية، تكبد المسافرون خسائر مباشرة وغير مباشرة، وفق يورو نيوز.
كثيرون فقدوا رحلاتهم الدولية أو اضطروا لقضاء ساعات طويلة في طوابير الانتظار، بينما تكبدت شركات الطيران تكاليف إضافية لإعادة جدولة الرحلات وتعويض الركاب، فضلًا عن الأثر السلبي على سمعتها.
وبينما حاولت بعض شركات الطيران التخفيف من حدة الأزمة عبر توفير بدائل مؤقتة، مثل تغيير مواعيد الرحلات أو تسهيل إعادة الحجز، نصحت سلطات الطيران الأوروبية المسافرين بالتأكد من حالة رحلاتهم قبل التوجه إلى المطار، وإتاحة وقت إضافي لإنهاء إجراءات السفر.
تحسن تدريجي لكن الحذر مستمر
رغم الصعوبات، شهدت حركة الملاحة تحسنًا تدريجيًا بحلول الأحد في عدة عواصم أوروبية، خصوصًا لندن وبرلين ودبلن. غير أن السلطات أكدت أن العودة الكاملة إلى الوضع الطبيعي قد تستغرق وقتًا، ريثما تستعيد الشركة المزوّدة السيطرة الكاملة على أنظمتها، وفق مونت كارلو.
ويحذر خبراء الطيران من أن مثل هذه الحوادث قد تتكرر مستقبلًا، في ظل الاعتماد المتزايد على الأنظمة الإلكترونية وشبكات الإنترنت في تشغيل المطارات والخطوط الجوية.
وقال أحد المتخصصين: “كلما ازدادت رقمنة قطاع الطيران، ازدادت معه نقاط الضعف التي يمكن أن يستغلها القراصنة”.
أزمة تكشف هشاشة البنية الرقمية
تسلط هذه الأزمة الضوء على هشاشة البنية التحتية الرقمية التي تعتمد عليها صناعة الطيران العالمية.
فبينما ساهمت الأنظمة الإلكترونية في تسريع عمليات التسجيل وتحسين تجربة السفر، أظهر الهجوم الأخير أن خللًا في برنامج واحد كفيل بإحداث شلل كامل في مطارات دولية كبرى، وتعطيل حياة مئات الآلاف من المسافرين.
ويرى مراقبون أن الحادثة قد تدفع سلطات الطيران الأوروبية إلى إعادة النظر في خطط الأمن السيبراني، وتشديد الرقابة على مزوّدي الخدمات التقنية، وربما تنويع مصادرها لتقليل المخاطر في حال تعرض شركة واحدة للاختراق.