ماذا يعني الاعتراف بدولة فلسطين؟

تترقب الساحة الدولية خطوة وُصفت بالتاريخية، إذ تستعد نحو عشر دول، بينها بريطانيا وفرنسا وكندا وأستراليا وبلجيكا، للاعتراف رسميًا بدولة فلسطينية مستقلة.
وذلك خلال قمة ستُعقد قبيل انطلاق اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة هذا الأسبوع.
هذه الخطوة، إن تمت، قد تفتح الباب أمام تحولات جديدة في مسار القضية الفلسطينية والعلاقات الدولية المحيطة بها.
واقع الدولة الفلسطينية اليوم
رغم إعلان منظمة التحرير الفلسطينية قيام الدولة الفلسطينية عام 1988، ورغم اعتراف 147 دولة عضو في الأمم المتحدة بها حتى الآن، فإن هذا الإعلان ظل في إطار رمزي إلى حد كبير.
الفلسطينيون يتمتعون حاليًا بصفة مراقب في الأمم المتحدة دون حق التصويت.
بينما تظل العضوية الكاملة مرهونة بموافقة مجلس الأمن، حيث تمتلك الولايات المتحدة حق النقض.
تمثل السلطة الفلسطينية المظلة الرسمية للدبلوماسية الفلسطينية حول العالم، وتمارس حكمًا ذاتيًا محدودًا في أجزاء من الضفة الغربية.
لكنها تفتقد السيطرة على المعابر والحدود، فيما يسيطر الاحتلال الإسرائيلي بشكل كامل على المداخل والمخارج، سواء للضفة أو غزة.
وفي غزة، التي تخضع لحكم حركة حماس منذ 2007، يزداد المشهد تعقيدًا بفعل الحصار المستمر والتوترات السياسية.
دوافع الدول الغربية
الاعتراف المرتقب من جانب قوى غربية كبرى يأتي فيما الانتقادات الدولية لإسرائيل بسبب حربها في غزة وسياسة التوسع الاستيطاني في الضفة.
هذه الدول ترى أن الاعتراف بفلسطين يمكن أن يضغط على الحكومة الإسرائيلية لإعادة الانخراط في مسار تفاوضي يفضي إلى حل الدولتين.
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الذي كان أول زعيم غربي بارز يعلن دعمه لهذه الخطوة، ربطها بضرورة تنفيذ إصلاحات داخل السلطة الفلسطينية.
وذلك لتعزيز الحكم الرشيد، بما يمنحها شرعية أقوى كشريك محتمل في إدارة غزة بعد الحرب.
أما بريطانيا، فقد أوضحت أنها قد تؤجل اعترافها إذا أبدت إسرائيل التزامًا بخطوات إنسانية وسياسية واضحة.
الاعتراف بين الرمزية والتأثير الفعلي
التجارب السابقة تُظهر أن الاعتراف الدولي لا يغير الكثير على أرض الواقع ما لم يقترن بإجراءات عملية.
فالدول التي اعترفت بفلسطين منذ عقود مثل الصين وروسيا ومعظم الدول العربية لم تتمكن من ترجمة هذا الاعتراف إلى مكاسب ملموسة للفلسطينيين.
القيود الإسرائيلية على حركة الأفراد والبضائع، وغياب البنية التحتية المستقلة مثل المطارات والموانئ، تجعل من الصعب على السلطة الفلسطينية ممارسة سيادة حقيقية.
ومع ذلك، يرى بعض المراقبين أن الاعتراف الغربي قد يمنح الفلسطينيين دفعة سياسية ومعنوية كبيرة، ويعيد صياغة علاقاتهم مع دول كبرى على أسس أكثر مساواة.
السفير الفلسطيني في لندن، حسام زملط، اعتبر الخطوة بمثابة انتقال نحو “شراكات على قدم المساواة”.
فيما أشار دبلوماسيون بريطانيون سابقون إلى أن الاعتراف قد يدفع لندن إلى اتخاذ مواقف أكثر صرامة، مثل حظر منتجات المستوطنات، حتى وإن كان الأثر الاقتصادي المباشر محدودًا.
الموقف الإسرائيلي والأمريكي
إسرائيل، التي تواجه ضغوطًا غير مسبوقة بسبب تداعيات حرب غزة، ترفض هذه الخطوة وتعتبرها “مكافأة لحماس” على هجمات أكتوبر 2023.
حكومة بنيامين نتنياهو، التي توصف بأنها الأكثر تطرفًا في تاريخ إسرائيل، تعلن صراحة أنها لن تسمح بقيام دولة فلسطينية مستقلة.
أما الولايات المتحدة، الحليف الأوثق لإسرائيل، فتعترض بشدة على توجهات حلفائها الأوروبيين.
واشنطن ذهبت إلى حد فرض عقوبات على مسؤولين فلسطينيين، ومنع الرئيس محمود عباس وعدد من قيادات السلطة من الحصول على تأشيرات لحضور اجتماعات الأمم المتحدة.
إلى أين تتجه الأمور؟
قد لا يُحدث الاعتراف الغربي تحولًا فوريًا في ميزان القوى على الأرض، لكنه يظل خطوة ذات مغزى سياسي ورسالة واضحة بأن المزاج الدولي تجاه القضية الفلسطينية يشهد تغيرًا ملحوظًا.
وبينما يراه البعض مجرد رمزيات دبلوماسية، يرى آخرون أنه قد يكون الشرارة التي تعيد إطلاق مسار سلام مجمد منذ أكثر من عقد.
ومع تصاعد وتيرة الصراع وغياب أي أفق للتفاوض، يبقى السؤال مفتوحًا: هل يشكل هذا الاعتراف بداية مسار جديد للفلسطينيين، أم يظل مجرد ورقة ضغط عابرة في لعبة السياسة الدولية؟