كيف ساعد ChatGPT في أكبر مخطط احتيال؟

في واحدة من أكثر القصص الصادمة عن استغلال التكنولوجيا الحديثة، كشف الشاب الكيني دونكان أوكيندو، البالغ من العمر 26 عامًا، عن تجربته المريرة بعد أن وقع فريسةً لعصابات احتيال في جنوب شرق آسيا.
حيث استُخدم الذكاء الاصطناعي –بالأخص ChatGPT– كأداة رئيسية لاصطياد الضحايا حول العالم.
بداية الحكاية: حلم عمل انتهى في معسكر احتيال
أوكيندو، الذي كان يبحث عن فرصة عمل لتأمين لقمة العيش لعائلته في كينيا، تلقى عرضًا مغريًا من وكالة توظيف محلية بوظيفة في خدمة العملاء بمدينة بانكوك التايلاندية.
لكن بمجرد وصوله المطار، تحوّل الحلم إلى كابوس. فقد اختُطف ونُقل بالقوة إلى مجمع KK Park على الحدود بين ميانمار وتايلاند، وهو موقع سيئ السمعة تديره عصابات صينية ويُشبه في تحصيناته “معسكرًا حربياً”.
داخل المجمع، وُضع أوكيندو في قاعة ضخمة تضم مئات الأشخاص يعملون تحت الإكراه أمام أجهزة الكمبيوتر.
هناك، اكتشف أن مهمته الحقيقية لم تكن خدمة العملاء، بل تنفيذ مخططات احتيال إلكترونية تستهدف أشخاصًا في الولايات المتحدة وأوروبا، مستخدمًا ChatGPT كأداة لكتابة الرسائل والإجابات المقنعة.
“تسمين الخنزير”: الاحتيال على طريقة العصابات
أوضح أوكيندو أن العمليات التي شارك فيها تُعرف باسم Pig-Butchering أو “تسمين الخنزير”، وهي خدعة تعتمد على بناء علاقة ثقة طويلة الأمد مع الضحية قبل إقناعه بالاستثمار في عملات مشفرة وهمية.
كان دوره يتمثل في التظاهر بأنه مستثمر أمريكي ثري، مثل مربي ماشية من تكساس أو مزارع فول صويا من ألاباما.
بفضل ChatGPT، كان قادراً على صياغة رسائل طبيعية باللهجة المحلية، ما جعل ضحاياه أكثر قابلية للتصديق.
ويقول: “كان علينا أن نبدو مألوفين جدًا. أي خطأ بسيط في التفاصيل كان كفيلاً بكشفنا”.
دور ChatGPT: من البحوث الفورية إلى رسائل الغزل
لم يقتصر استخدام الذكاء الاصطناعي على كتابة الرسائل فقط. فقد كان أوكيندو يلجأ إلى ChatGPT للبحث السريع عندما يسأله العملاء عن تفاصيل سوق العقارات أو العملات الرقمية.
كما أشار ضحايا آخرون إلى أن بعض المحتالين استخدموا الأداة نفسها لكتابة رسائل عاطفية وقصائد شعرية ضمن ما يُعرف بـ”الاحتيال العاطفي”، حيث تُستدرج الضحايا عاطفيًا قبل سرقتهم.
أحد المحتالين السابقين من بورما قال لرويترز “إطلاق النسخة الأولى من ChatGPT في 2022 غيّر عملي بالكامل. أصبح بإمكاني إغواء العشرات في وقت واحد، وكان الذكاء الاصطناعي يجعلنا أكثر إقناعًا.”
المهام اليومية كانت صارمة: التواصل مع 10 ضحايا محتملين يوميًا على الأقل، وضمان إقناع اثنين منهم بإيداع أموال في منصات تداول وهمية. من يفشل كان يتعرض للضرب، أو الإهانة، أو حتى الصعق بالكهرباء. أما النجاحات، فكانت تُحتفل بقرع الطبول داخل المجمع.
حياة تحت التهديد والعقاب
يصف أوكيندو هذه المرحلة قائلاً: “كرامتي تحولت إلى رماد. لم أكن سوى أداة في أيديهم”.
نجا أوكيندو في أبريل الماضي، بعدما قطعت السلطات التايلاندية الكهرباء عن عدد من مجمعات الاحتيال، مما أجبر العصابات على إطلاق بعض العمال.
لكنه بعد عودته إلى كينيا واجه تحديات جديدة: وصمة اجتماعية، ديون متراكمة، وخوف دائم من تهديدات يعتقد أنها تأتي من شركاء العصابات داخل بلاده.
ماذا قال ChatGPT؟
سأل موقع كشيدة ChatGPT عن تفاصيل الحادث وتعليقه عليه، والذي أكد في تصريح خاص أنه غير مدرَّب خصيصًا كأداة لكشف المحتالين أو لتتبع أساليب الاحتيال بشكل عملي مثل أجهزة إنفاذ القانون أو شركات الأمن السيبراني.
وأوضح ChatGPT لـ كشيدة “عندي معرفة واسعة بالأنماط الشائعة للاحتيال (سواء عبر الإنترنت أو خارجه) من خلال التدريب على بيانات عامة وتقارير وتحذيرات من مؤسسات رسمية زي البنوك وهيئات حماية المستهلك”.
“أقدر أساعدك في التوعية: أشرح كيف يشتغل الأسلوب، العلامات اللي تخليك تشك، وإزاي تتفادى الوقوع في الفخ. أقدر أقدّم أمثلة من دراسات حالة وتقارير صحفية زي تقرير رويترز اللي كنا بنتكلم عنه، وأوضح ليه الناس بتنخدع وكيف بيستغل المحتالون الذكاء الاصطناعي. لكن مش أداة تحقق أو إنفاذ قانون، يعني ما أقدرش أحدد هوية محتال بعينه أو أتتبع شبكة حقيقية”، قال ChatGPT.
ويرى ChatGPT أن هذا الحادث “مش بس عن احتيال بالذكاء الاصطناعي، لكنها كمان عن هشاشة أوضاع اقتصادية واجتماعية بتخلي شباب زي أوكيندو” عرضة للاستغلال”.
وحذر ChatGPT قائلًا “القصة خطيرة فعلًا لأنها بتكشف جانب مظلم جدًا من استخدام الذكاء الاصطناعي. التقنية في الأصل هدفها المساعدة في التعليم، الإنتاجية، والإبداع، لكن في نفس الوقت العصابات بتوظفها في الاحتيال بطرق أكثر إقناعًا وسرعة”.
موقف الشركات
من جانبها، أكدت شركة OpenAI أنها تعمل بجد لمنع استغلال ChatGPT في الأنشطة غير القانونية، عبر خوارزميات ترفض طلبات الاحتيال ورقابة مستمرة لحسابات المستخدمين. لكنها امتنعت عن التعليق على تفاصيل قصة أوكيندو.
تكشف هذه القصة الوجه المظلم للتكنولوجيا، حيث يُستغل الذكاء الاصطناعي –الأداة التي وُجدت لتسهيل حياة البشر– في تعزيز عمليات احتيال منظمة عابرة للحدود. ومع تصاعد وتيرة الجرائم الرقمية، يزداد الضغط على الحكومات والشركات التقنية لتطوير أنظمة أمان ورقابة أكثر صرامة.
ويبقى السؤال: هل تستطيع التقنيات المستقبلية أن تحمي المستخدمين من سطوة العصابات، أم ستستمر هذه الأدوات في أن تكون سلاحًا ذا حدين؟