تجنب الآلام المزمنة.. كيف تختار الوسادة المناسبة لك؟

لا شيء يفسد ليلتك أكثر من وسادةٍ غير مناسبة.
ربما تبدو هذه جملة مبالغًا فيها، لكن جرّب أن تستيقظ كل صباح وأنت تشعر بألم في الرقبة أو تصلّب في الكتفين أو صداع خفيف خلف الرأس.
ستدرك وقتها أن اختيار الوسادة ليس تفصيلًا صغيرًا في حياتك اليومية، بل هو عامل أساسي في جودة نومك وصحتك الجسدية والعقلية على المدى الطويل.
كثيرون يظنون أن “الراحة” هي المعيار الوحيد لاختيار الوسادة، فيبحثون عن أنعم وسادة في السوق أو أكثرها امتلاءً.
لكن حسب الدكتور جيت بول، مدير قسم علاج الألم التداخلي في كلية الطب بجامعة جورج واشنطن فإن “الوسادة المثالية ليست تلك التي تشعرك بالراحة في اللحظة الأولى، بل تلك التي تحافظ على استقامة الرأس والرقبة مع العمود الفقري أثناء النوم”.
كيف يختار الناس الوسادة الخطأ؟
غالبية الناس يشترون الوسائد بناءً على إحساسهم اللحظي عند لمسها أو تجربتها في المتجر، وفق الجارديان.
هذا ما يفسره الدكتور بول بقوله: “الكثير يختارون الوسادة لأنها طرية أو فخمة، لكنهم لا ينتبهون إلى أن الهدف الحقيقي هو دعم الانحناءة الطبيعية للعمود الفقري”.
اختيار وسادة غير مناسبة لا يؤثر فقط على راحتك، بل على صحتك العامة أيضًا.
فحسب الدكتور دوغ كاري، أخصائي العلاج الطبيعي الهيكلي ومدرب النوم، فإن سوء جودة النوم الناتج عن وسادة غير مناسبة قد يرتبط بتراجع في وظائف الذاكرة والتعلّم، وازدياد خطر أمراض القلب والمشاكل النفسية.
الخطوة الأولى: كيف تنام أصلًا؟
الوسادة المناسبة تبدأ من معرفة “أسلوب نومك”. فحسب الدكتور كاري، يمكن تصنيف الناس إلى أربع وضعيات نوم رئيسية:
- النوم على الظهر (supine)
- النوم على البطن (prone)
- النوم على الجانب بطريقة داعمة (حيث تكون الركبة العليا خلف السفلى)
- النوم على الجانب بطريقة مقلقة (حيث تكون الركبة العليا أمام السفلى)
وضعيتا النوم على الظهر والنوم الجانبي الداعم تعتبران “وضعيات داعمة”، بينما الأخريان تعدان “وضعيات مقلقة” لأنها تزيد من احتمالية الاستيقاظ بآلام في الظهر أو الرقبة.
يقول الدكتور كاري: “الأشخاص الذين ينامون في وضعيات مقلقة كانوا أكثر عرضة للإبلاغ عن جودة نوم أقل، وآلام وتيبّس في العمود الفقري عند الاستيقاظ”.
القاعدة الذهبية: العمود الفقري أولًا
عندما تضع رأسك على الوسادة ليلاً، يجب أن يظل العمود الفقري في خط مستقيم واحد. أي ميلان أو التواء في الرقبة يضع ضغطًا إضافيًا على العضلات والمفاصل، وقد يتطور مع الوقت إلى آلام مزمنة.
تشرح الدكتورة ليندسي أوروز، مديرة الأبحاث في المؤسسة الوطنية لصحة العمود الفقري، الأمر ببساطة.
وتقول “أسوأ ما يمكن أن تفعله وسادة هي أن تدفع ذقنك نحو صدرك. ذلك يضغط الفقرات العنقية، ويمنع استرخاء العضلات أثناء النوم”.
إذن، كيف نختار الوسادة المناسبة لكل وضعية نوم؟
لمن ينام على ظهره
النوم على الظهر يُعتبر من أفضل الوضعيات من حيث توازن الجسم، لكن يحتاج إلى وسادة بارتفاع متوسط تسمح للرأس بأن يستقر دون أن يدفع الذقن للأسفل.
تنصح الدكتورة أوروز أن يكون هناك “مسافة تعادل عرض أربع أصابع بين الذقن والصدر”.
وإضافة وسادة صغيرة أو بطانية ملفوفة تحت الركبتين تساعد على تخفيف الضغط على أسفل الظهر، لأنها تقلل الميل الحوضي الأمامي وتمنح العمود الفقري راحة أفضل.
لمن ينام على جانبه
هؤلاء هم الغالبية، لكنهم أيضًا الأكثر عرضة لاستخدام وسائد غير مناسبة.
عند النوم على الجانب، يجب أن تكون الوسادة عالية بما يكفي لتبقي الرأس في مستوى العمود الفقري، لا مائلًا للأعلى ولا للأسفل.
وسادة “متوسطة الصلابة” غالبًا ما تكون الخيار الأفضل، لأنها تمنح دعمًا متوازنًا.
يضيف الدكتور بول: “للتأكد من الوضع الصحيح، تخيّل خطًا مستقيمًا يبدأ من طرف أنفك ويمر عبر صدرك وحتى سُرتك. إذا كان الخط مائلًا، فوسادتك ليست المناسبة”.
كما يُنصح بوضع وسادة أخرى بين الركبتين لتجنب التواء الحوض وحماية أسفل الظهر. هذه الحيلة البسيطة يمكن أن تقلل من آلام الفقرات القطنية وتمنح الجسم محاذاة أفضل.
لمن ينام على بطنه
هنا يبدأ التحذير الجدي. يقول الدكتور بول: “نحن عادة لا نوصي بالنوم على البطن على الإطلاق”.
فالنوم بهذه الوضعية يُجبر الرقبة على الالتواء لساعات طويلة، ويضع ضغطًا غير طبيعي على الفقرات العنقية والكتفين.
حتى عيادة كليفلاند الأمريكية (Cleveland Clinic) تؤكد أن هذه الوضعية قد تؤدي إلى آلام مزمنة في الظهر والرقبة، لأنها تجعل العمود الفقري في وضع غير محايد.
لكن إن كنت من الأشخاص الذين لا يستطيعون النوم إلا على بطونهم، فالأفضل استخدام وسادة رقيقة جدًا أو حتى الاستغناء عنها، مع وضع وسادة صغيرة تحت الحوض لتقليل تقوس أسفل الظهر.
أي خامة تختار؟
هناك أنواع كثيرة: الميموري فوم، اللاتكس، القطن، الريش… لكن ليست كلها متساوية.
يقول الدكتور كاري إن الدراسات أظهرت أن وسائد الريش هي الأقل راحة على المدى الطويل، رغم أنها تبدو فخمة في البداية.
أما الوسائد المصنوعة من الميموري فوم أو اللاتكس فتتميز بثبات شكلها ودعمها الممتاز للفقرات. في النهاية، المهم أن تختار ما يناسب إحساسك الشخصي بشرط ألا يخلّ باستقامة العمود الفقري.
ولا تنسَ أن نوع المرتبة يؤثر أيضًا، فكلما كانت المرتبة أنعم، غاص جسمك فيها أكثر، وبالتالي تحتاج وسادة أقل ارتفاعًا. والعكس صحيح مع المراتب الصلبة.
متى يجب تغيير وسادتك؟
لا وسادة تدوم للأبد. حسب الدكتورة أوروز “معظم الوسائد يجب استبدالها كل سنة إلى سنتين على الأكثر”.
اختبر وسادتك بهذه الطريقة البسيطة، اثنها من المنتصف واتركها. إذا عادت إلى شكلها بسرعة، فهي ما زالت جيدة. أما إذا بقيت مطوية، فقد حان وقت التغيير.
أيضًا، إذا بدأت تستيقظ بآلام في الرقبة أو لاحظت أن الوسادة فقدت شكلها، فهذه علامة واضحة أنها لم تعد توفر الدعم المطلوب.
وماذا لو جربت كل الوسائد ولم تشعر بالراحة؟
إن كنت تعاني من آلام مزمنة في الرقبة أو الظهر رغم تغيير الوسائد، فربما لا تكون المشكلة في الوسادة نفسها.
يقول الدكتور كاري: “حين يخبرني مريض أنه جرب كل أنواع الوسائد الموجودة في السوق وما زال يشعر بالألم، أعرف أن المشكلة أعمق من ذلك. أبدأ بالبحث في نظام نومه بالكامل، من المرتبة إلى وضعية الجسم إلى نمط الحياة”.
في مثل هذه الحالات، قد يكون هناك خلل عضلي أو مشكلات في المفاصل أو حتى توتر مزمن ينعكس على العضلات أثناء النوم.
اختيار الوسادة المناسبة ليس رفاهية، بل خطوة بسيطة لكنها قادرة على تحسين جودة نومك وصحتك العامة.
الوسادة الجيدة تحافظ على محاذاة الرأس والرقبة والعمود الفقري، وتختلف بحسب طريقتك في النوم، ووزنك، ونوع المرتبة التي تستخدمها.
ولا تنسَ أن التجديد المنتظم للوسادة يمنع تراكم البكتيريا والحساسية ويحافظ على نوم صحي ومريح.
ففي النهاية، كما يقول الدكتور بول: “الوسادة المثالية ليست تلك التي تعانق رأسك فحسب، بل تلك التي تساندك في طريقك إلى نومٍ أعمق وصحةٍ أفضل”.



