هل فعلًا نصبح أقصر مع التقدم في العمر؟

هل لاحظت يومًا أن بعض كبار السن من حولك أصبحوا أقصر قليلًا مع مرور السنوات؟ ربما والديك، أو أحد الأقارب الذين كنت تذكرهم أطول مما تراهم اليوم.
كثيرون يربطون هذا الأمر بالشيخوخة بشكل عابر، لكن الحقيقة العلمية وراء فقدان الطول مع التقدم في العمر أكثر تعقيدًا، وفيها جانب يمكننا التحكم فيه إلى حد كبير، حسب موقع الجارديان.
القصة تبدأ بعد الأربعين
يقول البروفيسور آدم تايلور، أستاذ التشريح في كلية الطب بجامعة لانكستر، إن الإنسان يبدأ فعليًا بفقدان جزء من طوله بعد سن الأربعين.
المعدّل الطبيعي لهذا التراجع هو نحو سنتيمتر واحد في كل عقد من العمر، أي بمعدل بسيط جدًا سنويًا، لكنه يتراكم بمرور الوقت.
الرجال عادة يفقدون ما بين 0.08% إلى 0.1% من طولهم كل عام، بينما تفقد النساء نسبة أعلى قليلًا، تتراوح بين 0.12% و0.14%.
والسبب ليس فقط التقدم في السن بحد ذاته، بل مجموعة من العوامل الفسيولوجية والميكانيكية التي تحدث في الجسم مع مرور السنوات.
العمود الفقري.. البطل الخفي في القصة
يبدو فقدان الطول مرتبطًا في المقام الأول بالعمود الفقري. فمع تقدمنا في العمر، تفقد الأقراص الغضروفية بين فقرات العمود الفقري جزءًا من محتواها المائي، مما يجعلها أقل مرونة وأكثر انكماشًا.
هذه الأقراص تعمل في الأساس كوسائد تمتص الصدمات وتحافظ على المسافة بين الفقرات.
حين يقل محتواها من الماء، تتسطح تدريجيًا، ما يجعل الفقرات أقرب إلى بعضها البعض، وهو ما يؤدي إلى تقلص الطول الكلي للجسم.
تخيّلها كإسفنجة تفقد رطوبتها مع الوقت، النتيجة الطبيعية أن تصبح أرفع قليلًا.
الأمر لا يتوقف هنا. فالعظام نفسها تتأثر بمرور الوقت، إذ تبدأ الكتلة العظمية في التراجع تدريجيًا.
ويصبح مركز العظم الإسفنجي أقل كثافة، فتفقد الفقرات والورك والساقين شيئًا من صلابتها وحجمها، وهو ما يسهم أيضًا في انخفاض الطول.
الجاذبية تعمل ضدنا.. يوميًا!
من المفارقات الطريفة أن الطول لا يتغير فقط مع التقدم في العمر، بل أيضًا على مدار اليوم الواحد.
فبين الصباح والمساء، يمكن أن يقل طول الإنسان بمقدار نصف سنتيمتر تقريبًا، بسبب تأثير الجاذبية التي تضغط العمود الفقري وتقلل من المسافة بين الفقرات مع مرور ساعات اليوم.
يحدث هذا الضغط تدريجيًا أثناء الوقوف أو الجلوس لفترات طويلة، ثم يعود الجسم إلى طوله الطبيعي تقريبًا أثناء النوم، عندما تُتاح للأقراص الغضروفية فرصة لاستعادة بعض الماء والمرونة.
لكن مع التقدم في العمر، تقل قدرة هذه الأقراص على “الانتفاخ” مجددًا، فيستمر الفارق في التراكم.
الوضعية الخاطئة.. عدو خفي
الجلوس لفترات طويلة في وضعية منحنية أمام الحاسوب أو الهاتف المحمول له أثر كبير أيضًا.
هذه الوضعيات غير الصحية تجعل العمود الفقري يعتاد الانحناء، حتى تصبح تلك هي الوضعية الطبيعية للجسم. ومع الوقت، يبدأ الانحناء الدائم في إخفاء جزء من الطول الحقيقي للشخص.
الأمر يتفاقم لدى كبار السن الذين يميلون إلى الانحناء نحو الأمام بحثًا عن توازن أفضل أثناء المشي أو الوقوف.
هذا التكيف الطبيعي لتوزيع الوزن وجعل مركز الثقل أقرب للأرض يمنحهم شعورًا أكبر بالثبات، لكنه يضيف إلى مظهر “القصر” المرتبط بالتقدم في السن.
البروفيسور تايلور يقول بوضوح: “لا يمكنك إيقاف هذا التغير، لكن يمكنك إبطاؤه بشكل ملحوظ”.
الخبر الجيد أن أسلوب حياتك يلعب دورًا أساسيًا في تحديد مدى سرعة فقدانك للطول مع تقدم العمر.
تناول أطعمة غنية بالكالسيوم وفيتامين (د) يساعد على الحفاظ على كثافة العظام. منتجات الألبان، السردين، السلمون، البيض، والمكسرات تعد مصادر ممتازة.
كما أن التعرض المعتدل لأشعة الشمس يدعم إنتاج فيتامين (د) بشكل طبيعي.
التمارين التي تعتمد على وزن الجسم مثل المشي، الجري الخفيف، صعود الدرج، وتمارين المقاومة بالأوزان، تساعد على تقوية العضلات والعظام معًا.
هذه الأنشطة تحفّز العظام على البقاء قوية وتمنع فقدان الكتلة العضلية الذي يساهم بدوره في انخفاض الطول.
المواد السامة في السجائر والكحول تؤثر بشكل مباشر في عملية بناء العظام، وتزيد من هشاشتها على المدى الطويل. الامتناع عنها مبكرًا يمكن أن يُحدث فرقًا واضحًا بعد عقود.
الحفاظ على استقامة الظهر والرقبة أثناء الجلوس والوقوف قد يبدو أمرًا بسيطًا، لكنه من أهم العوامل التي تحافظ على طولك الطبيعي.
حاول أن تذكّر نفسك كل فترة بتعديل وضعية جلوسك، خاصة إن كنت تعمل أمام شاشة طوال اليوم.
الجانب الإيجابي من القصر
قد يبدو الحديث عن فقدان الطول مزعجًا، لكن تايلور يؤكد أن الأمر بحد ذاته ليس “سيئًا”. فكلنا نتقلص قليلًا خلال اليوم، والجسم مصمم ليتأقلم مع هذا التغير.
ما يدعو للقلق هو الفقدان الكبير أو السريع في الطول، لأنه قد يكون مؤشرًا على هشاشة عظام أو تراجع في كتلة العضلات، ما يرتبط بمشكلات صحية مثل أمراض القلب، هشاشة العظام، التهاب المفاصل، وصعوبات الحركة.
إذا لاحظت أنك أصبحت أقصر بمقدار أكثر من سنتيمترين أو ثلاثة خلال فترة قصيرة، أو أنك تميل أكثر للأمام أثناء الوقوف، فقد يكون من المفيد زيارة الطبيب وإجراء فحص لكثافة العظام.
هذه الفحوص البسيطة يمكنها اكتشاف هشاشة العظام في مراحلها المبكرة، مما يتيح علاجها قبل أن تتفاقم.
كثير من الناس لا ينتبهون لهذه التفاصيل إلا بعد فوات الأوان.
أحد الأمثلة المتكررة هو الأشخاص الذين يبدأون في ممارسة الرياضة بعد الخمسين فيكتشفون أن تمارين البيلاتس أو اليوغا ساعدتهم ليس فقط في تقوية أجسامهم، بل أيضًا في استعادة جزء من طولهم المفقود.
السبب بسيط، هذه التمارين تعمل على إطالة العمود الفقري وتحسين المرونة والاتزان، مما يساعد على تصحيح الوضعية الخاطئة التي قد تكون السبب في الانحناء وفقدان الطول الظاهري.



