مصنع عملاق لإنتاج 100 مليون ناموسة أسبوعيًا!

في خطوة غير مسبوقة على مستوى العالم، افتتحت البرازيل في مدينة كوريتيبا أكبر مصنع بيولوجي لتربية البعوض المصاب ببكتيريا وولباكيا (Wolbachia).
وهي تقنية حديثة يُعوَّل عليها كثيرًا للحد من انتشار حمى الضنك التي تمثل تهديدًا صحيًا متزايدًا في البلاد.
المصنع الجديد، المعروف باسم Wolbito do Brasil، جاء نتيجة شراكة بين وزارة الصحة البرازيلية، برنامج البعوض العالمي، مؤسسة أوزوالدو كروز، ومعهد البيولوجيا الجزيئية في ولاية بارانا.
المصنع قادر على إنتاج ما يقارب 100 مليون بيضة بعوض أسبوعيًا، وهو معدل ضخم يكفي لتغطية مناطق واسعة تعاني من معدلات إصابة مرتفعة.
ووفقًا للشركة المشغلة، فإن المشروع يستهدف حماية نحو 140 مليون شخص من خطر الإصابة بحمى الضنك خلال السنوات المقبلة.
على أن يتمكن المصنع من حماية ما يصل إلى 7 ملايين شخص كل ستة أشهر.
حمى الضنك، التي تُعرف شعبيًا باسم “حمى تكسير العظام” بسبب الألم المبرح الذي يرافقها، تنقلها بعوضة الزاعجة المصرية (Aedes aegypti).
وتعد البرازيل واحدة من أكثر الدول تضررًا بهذا المرض، حيث سجلت في العام الماضي وحده وفاة أكثر من 6,200 شخص، وهو أعلى رقم يتم تسجيله في تاريخها، حسب رويترز.
فكرة المشروع تقوم على إصابة البعوض ببكتيريا وولباكيا، وهي بكتيريا طبيعية موجودة بالفعل في نحو 60% من الحشرات في البيئة، لكنها لا تنتقل إلى البشر ولا تشكل خطرًا عليهم.
ما تقوم به هذه البكتيريا هو منع البعوض من نقل فيروسات مثل الضنك، زيكا، وشيكونغونيا.
وعندما يتزاوج البعوض المصاب بوولباكيا مع بعوض طبيعي في البيئة، تنتقل البكتيريا إلى الأجيال الجديدة، ما يقلل تدريجيًا من قدرة البعوض على نشر الأمراض.
المثير في هذه الطريقة أنها أثبتت فعاليتها بالفعل.
فمنذ عام 2014، طبقت السلطات البرازيلية هذا النهج في ثماني مدن، ونجحت في حماية أكثر من 5 ملايين شخص.
ويعتبر الخبراء أن هذا المشروع الجديد سيضاعف من قدرات الدولة على مواجهة واحد من أخطر التحديات الصحية التي تعاني منها منذ سنوات.
أنطونيو برانداو، مدير الإنتاج في Wolbito do Brasil، قال إن التقنية آمنة تمامًا.
موضحًا: “بكتيريا وولباكيا لا تعيش إلا داخل خلايا الحشرات، فإذا ماتت الحشرة تموت معها، وهذا يجعلها خيارًا طبيعيًا وفعالًا”.
وأضاف أن وجود هذه البكتيريا في الطبيعة منذ قرون دون أي تأثير سلبي على البشر يعزز الثقة في جدوى استخدامها.
ومع بدء المصنع في الإنتاج، ستتولى فرق ميدانية إطلاق البعوض المصاب في المناطق التي تسجل أعلى معدلات إصابة.
وتُحدد هذه المناطق وفقًا للبيانات الصحية المحلية، بحيث تكون الأولوية للأحياء التي يظهر فيها تفشي كبير للمرض.
تاميلا كلاينه، منسقة العمليات الإقليمية في المشروع، أوضحت أن سيارات ميدانية ستنطلق محملة بالبعوض المصاب، لتنتشر في المناطق المستهدفة عبر آليات إطلاق مبرمجة بدقة.
ووصفت هذه الطريقة بأنها “خطوة عملية سريعة تعزز من قدرة السلطات الصحية على التدخل في الوقت المناسب”.
هذا التوجه يعكس تغييرًا في الطريقة التي يتم بها التعامل مع الأمراض المنقولة عبر البعوض.
فبدلًا من الاعتماد فقط على حملات رش المبيدات أو توزيع الناموسيات، أصبح التركيز الآن على حلول بيولوجية أكثر استدامة وأقل ضررًا بالبيئة.
ويرى خبراء الصحة أن نجاح هذه التجربة في البرازيل قد يفتح الباب أمام دول أخرى تعاني من تفشي الضنك لاعتماد النهج ذاته.
خصوصًا في مناطق آسيا وأفريقيا حيث يشكل المرض عبئًا متزايدًا على أنظمة الرعاية الصحية.
ومع أن المشروع لا يزال في بداياته، إلا أن الأمل يظل كبيرًا في أن يسهم مصنع كوريتيبا في تقليل أعداد الإصابات والوفيات، وأن يصبح نموذجًا عالميًا في مواجهة حمى الضنك والأوبئة المشابهة.