سرقة القرن.. تخيل كم تبلغ قيمة المجوهرات المسروقة من متحف اللوفر؟

في واحدة من أكثر السرقات جرأة في تاريخ فرنسا الحديث، اهتزّت العاصمة باريس على وقع حادثٍ وصفته الصحف الفرنسية بأنه “سرقة القرن”.
وذلك بعدما نجحت عصابة مكوّنة من أربعة أشخاص في اقتحام متحف اللوفر صباح الأحد الماضي، وسرقة ثماني قطع من مجوهرات الحقبة النابليونية تقدّر قيمتها بنحو 88 مليون يورو، في عملية لم تستغرق أكثر من سبع دقائق فقط، وفق الجارديان.
مشهد من فيلم.. لكنه حقيقي
السرقة، التي وقعت في قاعة أبولّو الشهيرة داخل المتحف، بدت كما لو أنها مشهد مقتطع من فيلم بوليسي متقن.
فحسب ما كشفت عنه التحقيقات الأولية، استخدمت العصابة سُلّمًا معدنيًا تم رفعه بواسطة رافعة أثاث من الشارع المقابل للمتحف، للوصول إلى نافذة في الطابق الأول.
وما إن دخلوا، حتى توجهوا مباشرة إلى القاعة التي تحتوي على مجموعة نادرة من مجوهرات نابليون الثالث وزوجته الإمبراطورة أوجيني.
تم كسر خزانات العرض الزجاجية التي كانت تحوي القطع الثمينة، رغم كونها حديثة التركيب (عام 2019) ومصممة خصيصًا لحماية المعروضات من السرقة.
خلال دقائق قليلة فقط، كانت العصابة قد جمعت القطع وغادرت المكان بنفس الطريقة التي دخلت بها.
كيف حدث ذلك رغم كل تلك الحراسة؟
الحادثة أثارت موجة من التساؤلات حول فعالية أنظمة الأمن في واحد من أشهر المتاحف في العالم وأكثرها زيارة.
رئيسة المتحف لورانس دي كار ستواجه، وفق ما أعلنت وسائل الإعلام الفرنسية، جلسة استجواب أمام لجنة الثقافة في البرلمان الفرنسي للرد على سؤالٍ محوري: كيف يمكن لعصابة أن تسرق جواهر فرنسا التاريخية في وضح النهار من قلب متحف اللوفر؟
وزيرة الثقافة الفرنسية رشيدة داتي سعت إلى تهدئة الجدل، مؤكدة أمام الجمعية الوطنية أن “نظام أمن متحف اللوفر لم يفشل”، مضيفةً أن “جميع أجهزة المراقبة عملت كما يجب”.
لكنها في الوقت ذاته أعلنت أن جزءًا من ميزانية ترميم المتحف سيُعاد تخصيصه لتحديث منظومة الأمن بالكامل، بما في ذلك تركيب كاميرات مراقبة جديدة أكثر تطورًا.

اللغز: كيف عرف اللصوص طريقهم؟
التحقيقات التي يقودها مكتب مكافحة السرقات الكبرى BRB، وهو الجهاز نفسه الذي تولّى التحقيق في حادثة سرقة نجمة تلفزيون الواقع الأمريكية كيم كارداشيان عام 2016 في باريس، أشارت إلى أن العصابة كانت على دراية دقيقة بموقع المجوهرات ومسار الدوريات الأمنية داخل المتحف.
ويُرجَّح أن أحد العاملين السابقين أو شخصًا قريبًا من إدارة المعرض زوّدهم بالمعلومات.
وعلى الرغم من أن العملية نُفذت بسرعة مدهشة، فقد ترك اللصوص وراءهم أدلة ثمينة.
فقد عثرت الشرطة على سترة صفراء تحمل آثار حمض نووي (DNA)، إضافةً إلى لوحة ترخيص دراجة نارية وقطعة مجوهرات لم يتمكنوا من نقلها، وهي تاج الإمبراطورة أوجيني زوجة نابليون الثالث.
خسائر فادحة لا يعوضها التأمين
الصدمة الأكبر جاءت حين أكدت المتحدثة باسم الحكومة الفرنسية أن الدولة لن تحصل على أي تعويض تأميني عن القطع المسروقة، لأن الحكومة الفرنسية “تؤمن نفسها بنفسها” عندما يتعلق الأمر بالممتلكات الوطنية.
هذا النظام يُستخدم لتقليل التكاليف الباهظة لتأمين الأعمال الفنية النادرة، خاصة أن نسبة السرقات الفعلية تبقى منخفضة عادة.
لكن حادثة اللوفر أثبتت أن المخاطر تبقى قائمة مهما بلغت إجراءات الحماية.
ليس الحادث الأول هذا العام
وما يزيد القلق في الأوساط الثقافية الفرنسية هو أن هذه ليست السرقة الوحيدة في الأشهر الأخيرة.
فخلال الشهرين الماضيين فقط، شهدت فرنسا أربع سرقات متحفية كبرى، بينها سرقة مزهرية وقطع خزفية صينية نادرة من متحف أدريان دوبوشيه في مدينة ليموج.
كما أُلقي القبض الأسبوع الماضي على امرأة صينية في برشلونة بتهمة سرقة ذهب بقيمة تفوق المليون دولار من متحف التاريخ الطبيعي في باريس.
هذه الحوادث المتكررة دفعت بعض الخبراء إلى التحذير من “موجة منظمة تستهدف التراث الفرنسي”، خاصة أن الطلب على القطع الأثرية الأوروبية القديمة يشهد ارتفاعًا في الأسواق السوداء الآسيوية.
أين اختفت الجواهر؟
الاحتمال الأكثر ترجيحًا حسب المدعية العامة في باريس لور بيكوا هو أن اللصوص لن يتمكنوا من بيع القطع كما هي، لأنها معروفة ومسجلة عالميًا ضمن قائمة التراث الفرنسي.
وقالت بيكوا في تصريحها لإذاعة RTL “اللصوص لن يحصلوا على 88 مليون يورو من هذه الجواهر، إذا فكروا، للأسف، في تفكيكها أو صهرها. نأمل أن يتراجعوا عن تدميرها دون سبب”.
لكن التاريخ لا يدعو كثيرًا للتفاؤل، إذ تشير تقارير شرطة باريس إلى أن معظم المسروقات الفنية التي تُنهب من المتاحف لا تُستعاد أبدًا، خاصة إذا تم تهريبها خارج الاتحاد الأوروبي خلال الأيام الأولى بعد السرقة.
من يقف وراء العملية؟
حتى الآن، لم تُعلن الشرطة الفرنسية عن أي مشتبه به رسمي.
لكن مصادر أمنية تحدثت لصحيفة لو باريزيان عن “عصابة شديدة الاحترافية” يُعتقد أنها نفذت عمليات مشابهة في بلجيكا وسويسرا خلال السنوات الأخيرة.
ويجري التعاون بين الشرطة الفرنسية والإنتربول ومكتب مكافحة الاتجار بالممتلكات الثقافية لمحاولة تعقّب المجوهرات قبل تهريبها.
ضغط سياسي وغضب شعبي
على مواقع التواصل الاجتماعي، تفاعل الفرنسيون بغضب مع خبر السرقة، واعتبر كثيرون أن ما حدث “فضيحة أمنية”.
أما بعض المعلقين فذهبوا إلى أن الحادث ربما يُخفي “تواطؤًا داخليًا”، نظرًا لأن العملية تتطلب معرفة دقيقة بالثغرات الأمنية وجدول الحراسة.
في المقابل، دعا مسؤولون حكوميون إلى عدم التسرع في الاتهامات، وانتظار نتائج التحقيقات الرسمية.
متحف اللوفر بين الماضي والمستقبل
اللوفر، الذي يُعد أحد أعرق وأغنى المتاحف في العالم، يضم أكثر من 380 ألف قطعة فنية وتاريخية، ويستقبل سنويًا ما يزيد على 9 ملايين زائر من مختلف أنحاء العالم.
لكن هذه الحادثة قد تدفع إدارة المتحف إلى إعادة النظر في كامل المنظومة الأمنية، وربما إغلاق بعض القاعات مؤقتًا لإعادة تجهيزها بأنظمة إنذار واستشعار أكثر تطورًا.
ووفق صحيفة لوموند، فإن الإدارة تدرس تخصيص ميزانية عاجلة لتدريب فرق الاستجابة السريعة داخل المتحف، بحيث يمكن التدخل في أقل من دقيقتين عند أي خرق أمني، وهو ما لم يحدث خلال عملية الأحد.
إرث نابليون في مهب الريح
الجواهر المسروقة لم تكن مجرد قطع ذهبية أو أحجار كريمة، بل رموزًا تاريخية ترتبط بمرحلة مفصلية من تاريخ فرنسا، حين كانت الإمبراطورية النابليونية في أوج قوتها.
هذه القطع التي تشمل عقودًا وتيجانًا وأوسمة مرصعة بالألماس كانت تُعرض في قاعة خصصت لتخليد “مجد الإمبراطور”، ما يجعل فقدانها بمثابة جرح رمزي في الذاكرة الوطنية الفرنسية.
هل تعود الجواهر إلى مكانها؟
رغم الغموض الذي يحيط بالقضية، يعتقد بعض الخبراء أن فرص استعادة الجواهر “قائمة ولكن ضئيلة”.
فكلما طال الوقت دون العثور على أثرها، زادت احتمالية تفكيكها أو تهريبها.
لكن الأمل، كما قالت المدعية بيكوا، يبقى في أن “اللصوص قد يدركون أن تدميرها يعني محو جزء من تاريخ فرنسا”، وربما يُغريهم العائد المالي الكبير في حال إعادة التفاوض سريًا لإعادتها.



