الروبوتات تتولى السلطة.. تعيين أول وزيرة AI في التاريخ

في خطوة وُصفت بالمفاجئة والجريئة، أعلن رئيس الوزراء الألباني إيدي راما عن انضمام شخصية جديدة إلى تشكيلته الوزارية.
ليست شخصية سياسية تقليدية، ولا حتى تكنوقراط بخبرة دولية، بل “وزيرة” من صنع الذكاء الاصطناعي تحمل اسمًا قصيرًا وبسيطًا: ديلا.
اللافت أن ديلا لا تُعد وزيرة للذكاء الاصطناعي كما قد يظن البعض، بل وزيرة بالذكاء الاصطناعي، إذ تم تعيينها في منصب وزيرة المشتريات العامة، وهو قطاع يرتبط مباشرةً بالشفافية ومحاربة الفساد، أحد أكبر التحديات التي تواجه ألبانيا في مسيرتها نحو الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي.
من فكرة رمزية إلى دور تنفيذي
إعلان راما جاء بعد فوزه بولاية رابعة في انتخابات مايو الماضي، حيث كشف أن الهدف من “تعيين” ديلا يتجاوز حدود الرمزية أو الدعاية، ليشكل ضغطًا على الوزراء والمسؤولين الحكوميين من أجل تطوير أساليب عملهم ومواكبة العصر الرقمي.
ورغم أن الدستور الألباني يشترط أن يكون الوزراء من المواطنين ذوي الأهلية العقلية وألا يقل عمرهم عن 18 عامًا، فإن الخطوة جاءت لتفتح بابًا للنقاش حول قدرة التكنولوجيا على لعب أدوار أكبر في الحوكمة والإدارة العامة.
وزيرة لا تعرف الرشوة
يقول راما إن الهدف من إدماج ديلا هو تحويل المشتريات العامة إلى عملية “خالية بنسبة 100% من الفساد”، مؤكدًا أن الاعتماد على الذكاء الاصطناعي سيضمن سرعة الإنجاز، ورفع الكفاءة، وزيادة الشفافية.
فالذكاء الاصطناعي لا يعرف “المجاملات السياسية”، ولا يتأثر بالضغوط أو العلاقات الشخصية.
كما أن وزيرة مثل ديلا لن تكون مصدرًا للتسريبات الإعلامية، ولا تخضع لشهوة السلطة، ولن تقع في فخ فضائح النفقات أو تضارب المصالح.
خبرة سابقة في خدمة المواطنين
ليست هذه المرة الأولى التي تدخل فيها ديلا على خط الخدمات الحكومية. فقد كانت في السابق مساعدًا افتراضيًا على منصة e-Albania، حيث ساعدت أكثر من مليون مواطن في إنجاز طلباتهم واستخراج وثائق رسمية إلكترونيًا.
هذا النجاح شجع الحكومة على التفكير في دور أكبر لها، لتنتقل من مجرد “روبوت محادثة” إلى عنصر فعّال في منظومة الإصلاح الإداري ومحاربة الفساد.
تباين في ردود الفعل
كما كان متوقعًا، أثار تعيين ديلا ردود فعل متباينة. فالمعارضة المتمثلة في الحزب الديمقراطي وصفت الخطوة بأنها “سخيفة” و”غير دستورية”. بينما اعتبر البعض أن راما يخلط بين الإصلاح والـ”شو الإعلامي”.
لكن آخرين رأوا أن المبادرة قد تحمل جانبًا إيجابيًا إذا تحولت من مجرد دعاية سياسية إلى نظام حقيقي يحسن الشفافية ويعزز الثقة بين المواطنين والدولة.
تقول أنيدا بايركتاري بيتشيا، مؤسسة شركة الخدمات المالية “Balkans Capital”، إن راما معروف بمزج الإصلاح بالاستعراض، لكن التجربة قد تكون مفيدة إذا أسفرت عن بناء أنظمة عملية وموثوقة.
خبراء مكافحة الفساد أيضًا أبدوا اهتمامًا بالفكرة. الدكتور أندي هوكساج من كلية كينجز في لندن أشار إلى أن الذكاء الاصطناعي، إذا بُرمج بشكل صحيح، يمكنه مراقبة العطاءات الحكومية بشكل شفاف، والكشف عن الشركات غير المؤهلة أو تلك التي تحاول التحايل على الشروط.
ويرى هوكساج أن لدى ألبانيا حافزًا قويًا لإنجاح التجربة، في ظل ضغط الاتحاد الأوروبي عليها لاستكمال مفاوضات الانضمام بحلول عام 2027، وهو ما يجعل مكافحة الفساد شرطًا أساسيًا لا مفر منه.
بين الجدية والاستعراض
ورغم إقرار راما بأن هناك لمسة دعائية في تقديم ديلا كوزيرة، فإنه يؤكد أن الهدف الجوهري هو دفع باقي الوزراء والمسؤولين إلى التفكير والعمل بشكل مختلف، معتبرًا أن هذا “أكبر مكسب” يتوقعه من التجربة.
وفي الوقت الذي يرى فيه البعض أن المستقبل قد يشهد دخول الذكاء الاصطناعي في مجالات أوسع من العمل الحكومي، يظل السؤال المطروح: هل تستطيع وزيرة بلا قلب ولا مصالح أن تنجح فيما فشل فيه عشرات الوزراء عبر عقود؟
ما هو مؤكد أن تجربة ألبانيا ستظل تحت أعين المتابعين في الداخل والخارج، وأن “ديلا” ستبقى عنوانًا لمرحلة مثيرة تجمع بين التكنولوجيا والسياسة في مواجهة أحد أعتى أمراض المجتمعات: الفساد.