ترامب يتمنى ولاية ثالثة رئيسًا للولايات المتحدة.. هل يستطيع؟

منذ عودته إلى المشهد السياسي الأمريكي، لا يتوقف الرئيس دونالد ترامب عن إثارة الجدل.
فبين تصريحاته النارية ومواقفه المثيرة للانقسام، أطلق ترامب مؤخرًا شرارة جديدة من الجدل عندما رفض استبعاد فكرة الترشح لولاية رئاسية ثالثة، في خطوة تتحدى واحدًا من أوضح النصوص في الدستور الأمريكي.
ورغم أن الفكرة بدت للبعض مجرد مناورة سياسية أو محاولة لجذب الانتباه، فإنها فتحت نقاشًا جادًا في الأوساط القانونية والسياسية حول مدى إمكانية حدوث ذلك من الناحية الدستورية.
ووفق الجارديان، قال ترامب صباح اليوم الاثنين في إشارة إلى إمكانية ترشحه لولاية ثالثة “أتمنى ذلك. لقد حققت أفضل أرقامي على الإطلاق”.
وعندما سأله أحد المراسلين عما إذا كان يستبعد ولاية ثالثة، قال “ألا أستبعد ذلك؟ أعني، عليك أن تخبرني”.
التعديل الثاني والعشرون: الحاجز القانوني الواضح
وحسب رويترز، أقرّ الأمريكيون في عام 1951 التعديل الثاني والعشرين للدستور، وهو النص الذي يحدد بوضوح عدد الفترات التي يمكن لرئيس الولايات المتحدة أن يقضيها في المنصب.
وجاء التعديل بعد تجربة فريدة في التاريخ الأمريكي مع الرئيس الديمقراطي فرانكلين ديلانو روزفلت، الذي تولى الحكم لأربع فترات متتالية قاد خلالها البلاد خلال حقبتي الكساد الكبير والحرب العالمية الثانية.
ونصّ التعديل بشكل صريح على أنه “لا يجوز لأي شخص أن يُنتخب لمنصب رئيس الولايات المتحدة أكثر من مرتين”.
ومنذ إقراره، لم ينجح أي رئيس في كسر هذا القيد أو حتى تجاوزه جزئيًا. وقد ظل مبدأ “الولايتين فقط” أحد الثوابت التي تميّز النظام السياسي الأمريكي وتضمن تداول السلطة بانتظام.
يقول واين أونغر، أستاذ القانون الدستوري في جامعة كوينيبياك، إن النصوص القانونية لا تحتمل التأويل في هذه المسألة.
ويضيف “الدستور واضح تمامًا. ولايتان فقط مدة كل منهما أربع سنوات، ولا توجد أي مساحة قانونية تسمح لرئيس بأن يشغل المنصب مرة ثالثة”.
ويضيف أونغر أن أي محاولة من ترامب للطعن في هذا التعديل أو المطالبة بإعادة تفسيره ستُرفض على الأرجح من المحكمة العليا الأمريكية، التي تميل في مثل هذه القضايا إلى الالتزام بالنصوص الصريحة دون اجتهادات سياسية.
هل يمكن تغيير الدستور لصالح ترامب؟
من الناحية النظرية، نعم يمكن تعديل الدستور الأمريكي. لكن من الناحية الواقعية، يبدو ذلك شبه مستحيل في المناخ السياسي الحالي.
فالولايات المتحدة تعيش واحدة من أكثر فتراتها استقطابًا في التاريخ الحديث، مع انقسام حاد بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي حول كل شيء تقريبًا، من الهجرة إلى الاقتصاد وحتى السياسات الخارجية.
وأي تعديل دستوري يتطلب سلسلة معقدة من الإجراءات، وهي موافقة ثلثي أعضاء مجلس النواب ومجلس الشيوخ، أو دعوة إلى مؤتمر دستوري من قبل ثلثي الولايات.
ثم تصديق 38 ولاية على الأقل على التعديل الجديد.
وبالنظر إلى موازين القوى الحالية، يملك الجمهوريون أغلبية ضئيلة في مجلس النواب (219 مقابل 213 للديمقراطيين) وأغلبية محدودة في مجلس الشيوخ (53 مقابل 47).
كما يسيطرون على 28 هيئة تشريعية من بين 50 على مستوى الولايات.
هذه الأرقام تجعل تمرير تعديل لصالح ترامب مهمة تكاد تكون مستحيلة سياسيًا.
رغم ذلك، لم يتوقف بعض حلفاء ترامب عن المحاولة. ففي يناير الماضي، قدم النائب الجمهوري آندي أوغلس، وهو من أبرز المؤيدين للرئيس السابق، مشروع قانون لتعديل التعديل الثاني والعشرين بحيث يُسمح للرؤساء بتولي المنصب ثلاث ولايات غير متتالية بدلًا من اثنتين.
ويهدف هذا المقترح تحديدًا إلى فتح الباب أمام ترامب لخوض انتخابات جديدة عام 2029، باعتبار أن فترتيه في 2017 و2025 ليستا متتاليتين. لكن المقترح لم يلقَ دعمًا واسعًا حتى داخل الحزب الجمهوري نفسه، الذي يضم تيارات متباينة، بعضها يخشى أن يؤدي استمرار ترامب في الواجهة إلى إضعاف فرص الحزب في المستقبل.
حيلة “نائب الرئيس”: طريق مسدود آخر
في محاولة لالتفاف قانوني، تساءل بعض أنصار ترامب على وسائل التواصل الاجتماعي عما إذا كان بإمكانه الترشح لمنصب نائب الرئيس، ثم عودته إلى السلطة في حال استقال الرئيس المنتخب بعد دخوله البيت الأبيض.
لكن ترامب نفسه علّق على هذه الفكرة خلال حديثه مع الصحفيين على متن طائرة إير فورس وان أثناء رحلة من ماليزيا إلى طوكيو، اليوم، قائلًا “من الناحية القانونية، أعتقد أن بإمكاني فعل ذلك… لكن الناس لن يحبوا الأمر، إنها حيلة ذكية أكثر من اللازم”.
القانون الأمريكي واضح هنا أيضًا. فالتعديل الثاني عشر للدستور ينص على أنه “لا يجوز لأي شخص غير مؤهل دستوريًا لمنصب رئيس الولايات المتحدة أن يكون مؤهلًا لمنصب نائب الرئيس”.
وبالتالي، لا يمكن لترامب أو لأي رئيس سابق أتمّ ولايتين أن يترشح لمنصب نائب الرئيس، لأنه لم يعد مؤهلًا لتولي الرئاسة مجددًا.
الجدل يتجاوز القانون إلى السياسة
الحديث عن ولاية ثالثة لترامب ليس مجرد نقاش قانوني؛ بل هو انعكاس لحالة الانقسام السياسي والاجتماعي العميق الذي تشهده الولايات المتحدة. فأنصاره يرونه الزعيم القادر على “استعادة أمريكا”، بينما يرى خصومه أن مجرد طرح الفكرة يهدد جوهر النظام الديمقراطي الأمريكي.
ويرى مراقبون أن تصريحات ترامب قد تكون جزءًا من استراتيجية سياسية مدروسة تهدف إلى اختبار ردود الفعل وتحريك النقاش العام حول قيود السلطة.
فترامب غالبًا ما يستخدم التصريحات المثيرة للجدل لشدّ انتباه الإعلام وتعبئة أنصاره، دون أن يترجم ذلك إلى خطوات قانونية حقيقية.
من جهة أخرى، يشير محللون إلى أن الإصرار على مناقشة “الولاية الثالثة” قد يُضعف من حجة ترامب في مواجهة خصومه، إذ يمنحه خصومه السياسيون صفة “الزعيم السلطوي” الذي يسعى إلى البقاء في الحكم بأي ثمن.
وهو اتهام يذكّر الأمريكيين بتجارب دول أخرى فقدت فيها الديمقراطية توازنها تحت وطأة الطموحات الشخصية.
ما الذي يعنيه هذا للناخب الأمريكي؟
حتى هذه اللحظة، القانون الأمريكي قاطع، لا ولاية ثالثة لأي رئيس، بما في ذلك دونالد ترامب.
لكن طرح الفكرة بحد ذاته يعكس قلقًا متزايدًا من أن النظام السياسي الأمريكي، رغم متانته، لم يعد بمنأى عن نزعات التمرد على الأعراف الديمقراطية الراسخة.
قد لا يستطيع ترامب خوض ولاية ثالثة من الناحية القانونية، لكن الجدل الذي أثاره يعيد طرح سؤال أعمق، هل ما زالت الولايات المتحدة قادرة على حماية مبادئ تداول السلطة في ظل الاستقطاب والانقسام المتزايد؟



