بنية تحتية متهالكة.. هل يمكن أن يتوقف الإنترنت عن العمل؟

تخيل أن تستيقظ في صباح عادي، تحاول فتح هاتفك لتتصفح آخر الأخبار، فلا شيء يعمل.
لا إشعارات، لا تطبيقات، لا بريد إلكتروني. تحاول الاتصال بزملائك، فلا اتصال. تحاول تشغيل «الواي فاي»… ولا إشارة. ثم تدرك الحقيقة المذهلة، الإنترنت توقف عن العمل.
قد يبدو هذا المشهد مأخوذًا من فيلم خيال علمي، لكنه ليس مستحيلًا كما نتصور، وذلك حسب تقرير حديث للجارديان.
ففي قلب البنية التحتية للعالم الحديث يختبئ نظام هش، يعتمد على تكنولوجيا تعود لعقود مضت.
خلف كل رسالة واتساب، وكل فيديو على يوتيوب، وكل تحويل بنكي، هناك خيوط متشابكة من البرامج القديمة ومراكز البيانات، لو تعطلت مجموعة صغيرة منها في لحظة معينة، يمكن أن يتعطل معها كل شيء.
«انقطاع واحد» كفيل بإشعال الذعر
الإنترنت شبكة مترابطة عالميًا، لكنها ليست محصّنة كما نتصور. قبل أيام قليلة، تسبب خلل في مركز بيانات بولاية فرجينيا الأمريكية في توقف عدد من الخدمات الكبرى لبضع ساعات، من بينها تطبيقات تستخدمها الحكومات والشركات يوميًا.
كان هذا الخلل تذكيرًا بأننا نسير على حافة الخطر. فلو تكررت الحوادث في توقيت غير مناسب، أو في أماكن متفرقة، قد نواجه السيناريو الكابوسي الذي يخشاه خبراء الإنترنت، انهيار شامل لشبكة تعتمد عليها حياتنا بالكامل تقريبًا.
لنتخيل أن إعصارًا يضرب ولاية آيوا الأمريكية ويدمر مجمعًا ضخمًا من مراكز بيانات جوجل يُعرف باسم us-central1، وهو مركز حيوي لخدمات جوجل السحابية ويوتيوب وجيميل.
في عام 2019، تسبب انقطاع مشابه في تعطل هذه الخدمات عبر الولايات المتحدة وأوروبا لساعات.
في اللحظة الأولى، يتوقف بث فيديوهات الطبخ على يوتيوب، ويبدأ الموظفون حول العالم في تحديث بريدهم الإلكتروني بلا جدوى.
بعضهم يضطر للحديث وجهًا لوجه بعد سنوات من التواصل عبر الشاشات. حتى بعض الخدمات الحكومية قد تتباطأ.
لكن رغم الفوضى، يوضح خبراء البنية التحتية أن «الإنترنت» من الناحية التقنية لن يموت بعد، طالما هناك جهازان متصلان عبر راوتر.
ومع ذلك، يشير الباحث ستيفن مردوخ من جامعة كوليدج لندن إلى أن المشكلة تكمن في التمركز الهائل. فمعظم الخدمات اليوم تدار من أماكن محدودة في العالم لأن تشغيلها معًا أرخص وأكثر كفاءة. وهذا يجعل النظام كله هشًّا أمام أي كارثة محلية.
من عاصفة إلى انهيار عالمي
الآن أضف إلى هذا السيناريو موجة حر تضرب الساحل الشرقي للولايات المتحدة وتعطل «زقاق مراكز البيانات» في فرجينيا، حيث تتركز بنية أمازون السحابية (AWS)، ومعها عدد من الشركات المجاورة.
في اللحظة نفسها، يتعرض مجمع أوروبي في فرانكفورت أو لندن لهجوم إلكتروني منسق. حينها تُعاد توجيه حركة الإنترنت إلى مراكز ثانوية، فتُغرقها الطلبات وتنهار بدورها.
وهنا قد يتدخل «الذكاء الاصطناعي» بشكل غير متوقع، خطأ في سطر برمجي واحد، ربما كتبته خوارزمية منذ شهور، يتسبب في سلسلة انهيارات داخلية في أمازون، خاصة بعد تقليص عدد المهندسين لصالح الأتمتة. وفي غضون ساعات، تتوقف خدمات AWS.
فجأة، تختفي تطبيقات مثل Slack وSignal وNetflix من الوجود. تتعطل البنوك الرقمية، تتوقف المكانس الذكية عن التنظيف، وتبدأ الأقفال الذكية في التصرّف بجنون.
ببساطة، ينهار العالم الذي اعتدنا عليه خلال عقدين من التحول الرقمي.
الإنترنت ما زال موجودًا… لكن لا أحد يستطيع استخدامه
حتى في هذا السيناريو الكارثي، لن يختفي الإنترنت بالكامل. كما يوضح الباحث دوغ مادوري، «الإنترنت على أبسط مستوياته سيبقى يعمل، لكنه سيكون عديم الفائدة تقريبًا، لأن كل الخدمات التي نعتمد عليها تدار من المراكز العملاقة التي انهارت».
ما يثير القلق أكثر هو أن السيطرة على البنية التحتية السحابية مركزة في أيدي ثلاث شركات فقط، أمازون، جوجل، ومايكروسوفت، التي تهيمن على أكثر من 60% من السوق العالمية.
هذه الحقيقة تجعل أي خلل في واحدة منها أزمة كوكبية.
الكابلات البحرية ليست الخطر الأكبر
كثيرون يظنون أن قطع كابل بحري يمكن أن يوقف الإنترنت العالمي، لكن هذا غير دقيق. فحسب الأمم المتحدة، تحدث بين 150 و200 حالة انقطاع سنويًا في الكابلات تحت البحر، ويتم إصلاحها بسرعة.
«نقوم بذلك طوال الوقت»، يقول مادوري ساخرًا. «ستحتاج إلى قطع مجموعة كبيرة جدًا من الكابلات في وقت واحد لتشعر بتأثير فعلي».
الخطر الحقيقي يكمن في نظام أسماء النطاقات (DNS)، «دفتر العناوين» الذي يتيح لكل موقع على الإنترنت أن يُعرَف ويُزار. إذا تعرض أحد مزودي DNS الكبار مثل Verisign أو Ultranet لهجوم ناجح، فإن نطاقات كاملة مثل .com أو .net قد تختفي.
ويحذر مادوري: «لو حدث شيء لـ Verisign فسينهار نطاق .com بالكامل، لكن هذا احتمال ضئيل للغاية لأن خسائره ستكون فلكية».
سيناريو نهاية الإنترنت
لكي يتوقف الإنترنت فعلًا، يجب أن تقع كارثة تمسّ الطبقات الأساسية لنظامه، مثل بروتوكول BGP الذي يوجّه حركة البيانات بين الشبكات حول العالم.
بعض الهاكرز أخبروا الكونغرس الأمريكي في التسعينيات أنهم اكتشفوا ثغرة يمكن أن “تُسقط الإنترنت في 30 دقيقة”، لكن الخبراء اليوم يرون أن هذا السيناريو بعيد جدًا لأن البروتوكول أُثبتت صلابته عبر الزمن.
ومع ذلك، لو حدثت سلسلة أخطاء بهذا الحجم، فستكون النتيجة غير مسبوقة.
تخيل أن نطاق “.com” توقف فجأة، ستتعطل البنوك، المستشفيات، المؤسسات المالية، ومعظم شبكات التواصل. بعض البنى الحكومية قد تظل تعمل عبر أنظمة داخلية مغلقة، لكن بالنسبة لبقية العالم، سيبدو كأن الحضارة الرقمية توقفت.
يقول مردوخ «لم يسبق أن تم إيقاف الإنترنت بعد تشغيله، لذا لا أحد يعرف فعليًا كيف يمكن تشغيله من جديد».
وفي بريطانيا، كانت هناك خطة طريفة لمواجهة هذا الاحتمال، إذا انهار الإنترنت بالكامل، يجتمع خبراء الشبكات في حانة خارج لندن ليتفقوا على الخطوة التالية.
لا أحد يعرف إن كانت هذه الخطة لا تزال موجودة… أو حتى أين تقع تلك الحانة.
العالم بلا إنترنت… ماذا سيحدث لنا؟
ربما نعود للورق والأقلام، وللمحادثات وجهًا لوجه، وللخريطة الورقية بدل تطبيق الخرائط. وربما نشعر بالهدوء لأول مرة منذ سنوات.
لكن سرعان ما سنكتشف أن حياتنا بكل تفاصيلها أصبحت تعتمد على تلك الشبكة الخفية التي نادرًا ما نفكر في هشاشتها.
الإنترنت ليس مجرد ترف أو وسيلة ترفيه، بل شريان حياة لعالم مترابط اقتصاديًا وتقنيًا وسياسيًا. ومع كل تقدم في الذكاء الاصطناعي والأتمتة، تزداد هشاشته بدلًا من أن تقل.
قد لا يتوقف الإنترنت غدًا، لكن كما يقول أحد الخبراء «كل ما نحتاجه هو قدر قليل من الحظ السيئ… لتتعطل الحضارة الحديثة».



