حياة

ارتفاع ضغط الدم.. اعرف الأسباب وطرق الوقاية

في الوقت الذي أصبح فيه الحديث عن ارتفاع ضغط الدم أو ما يُعرف طبياً بـ Hypertension أمرًا مألوفًا، لا يزال كثير من الناس يتساءلون: لماذا يحدث هذا الارتفاع؟ ما هي الأسباب؟ هل الأمر وراثي، أم متعلق بأسلوب الحياة؟ وهل يمكنني تجنّبه؟ 

الحقيقة أن ارتفاع ضغط الدم يمثل واحدة من أخطر الحالات الصحية المنتشرة حول العالم، وصفتها بعض الجهات بأنها “القاتل الصامت”، لأنه قد لا يسبب أعراضًا ملحوظة في وقت مبكر، لكنّه يُهيئ الأرضية لسكتة قلبية، أو فشل كلوي، أو مشاكل بصرية. 

في هذا المقال سأأخذ بيدك خطوة بخطوة، لنفهم معًا ما الذي يسبب ارتفاع ضغط الدم، كيف يتطوّر، وما هي العوامل التي يمكننا التحكم بها، حتى تخرج من هنا ومعك كل ما تحتاجه لتفهم وضعك الصحي وتتخذ إجراءات ذكية.

ما هو ارتفاع ضغط الدم؟

قبل الغوص في الأسباب، من المهم أن نفهم المعنى. 

عندما ينبض القلب، يضخ الدم إلى الشرايين ويُمارس ضغطًا على جدرانها، هذا ما نسميه ضغط الدم. 

ويتكوّن من رقمين: الرقم الأعلى (الانقباضي) يُوضّح الضغط عندما ينقبض القلب، والرقم الأدنى (الانبساطي) عندما يكون القلب في حالة راحة.

يُعتبر ضغط الدم مرتفعًا عادة إذا تجاوز (130/80 مم زئبق) أو أكثر، وفق تعاريف كثيرة. 

لكن ما الذي يجعل هذا الضغط يرتفع؟ هنا يبدأ مسار الأسباب، وهي قد تكون مباشرة (كيفية تصرّف الجسم) أو غير مباشرة (عوامل خطر تؤدي إلى ذلك تدريجيًا). 

مثلاً، في حوالي 90% من الحالات تحدث الزيادة بلا سبب مباشر يتم تحديده، وتُعرف بـ الارتفاع الأساسي (essential or primary hypertension). 

أما في حوالي 5-10% من الحالات، فيكون هناك سبب طبي واضح لارتفاع الضغط، وتُسمّى آنذاك ارتفاع ضغط الدم الثانوي (secondary hypertension).

إذًا هدفنا هو أن نتعرّف على كليهما، الأسباب التي لا نستطيع غالبًا تغيّرها، والعوامل التي نستطيع فعلًا أن نتحكم بها أو نقلّلها، حتى نتمكّن من حماية صحتنا.

الأسباب التي لا نستطيع تغييرها

يُشير عدد كبير من الأبحاث إلى أن هناك عوامل خطر متعلّقة بمن لا يستطيعون تغييرها بسهولة، لكن من المهم أن يكونوا على علم بها:

العمر: 

كلما تقدّمت في العمر، تزداد فرص إصابتك بارتفاع ضغط الدم، وذلك لأن الأوعية الدموية تصبح أقل مرونة بمرور الزمن. 

التاريخ العائلي (وراثة): 

إذا كان آباؤك أو إخوتك يعانون من ارتفاع ضغط الدم، فإن احتمال إصابتك أعلى كذلك. 

العرق/النوع: 

تُظهر الإحصاءات أن بعض المجموعات العرقية عرضة أكثر للإصابة بارتفاع ضغط الدم، سواء من حيث عدد الحالات أو شدة المضاعفات. 

أمراض مصاحبة: 

مثل مرض السكري أو أمراض الكلى المزمنة، يمكن أن تزيد من فرص تطور الضغط المرتفع، لأن هذه الحالات تؤثر على قدرة الجسم على تنظيم السوائل أو الشرايين. 

هذه العوامل تعني أن بعض الأشخاص لديهم “أرضية خصبة” أكثر من غيرهم لارتفاع ضغط الدم، لكن الأمر ليس محتوماً، فلا يعني أنك حتمًا ستُصاب إذا وُجدت لديك هذه العوامل، بل يعني فقط أن الحذر والوقاية يكونان أكثر أهمية.

الأسباب التي نستطيع التعامل معها

الجزء الأكبر من ارتفاع ضغط الدم يرتبط بأسلوب الحياة، وهو ما يعني أن لدينا تأثيرًا فعّالاً عليه. هذه أهم العوامل:

التغذية الزائدة بالملح (الصوديوم):

عندما تتناول كميات كبيرة من الملح، يحتفظ جسدك بسوائل أكثر، ما يزيد حجم الدم ويُرفع الضغط داخل الشرايين. 

تُوصي مؤسسات مثل National Heart ،Lung ،and Blood Institute بتقليل تناول الصوديوم، وزيادة البوتاسيوم من الفواكه والخضار. 

على سبيل المثال، تقول جمعية صحة القلب الأميركية إن “نظاماً غذائياً صحّياً منخفض الملح هو أحد الطرق الأساسية لتجنّب ارتفاع الضغط”. 

الوزن الزائد وقلة النشاط البدني:

زيادة الوزن، خصوصًا حول منطقة البطن، تجعل القلب يعمل بجهد أكبر، وتؤثر سلبًا على الأوعية والشرايين. 

كما أن الجلوس لفترات طويلة وقلة الحركة تجعل النظام الدوري أقل كفاءة.

في دراسة أجرتها جامعة Johns Hopkins، وُجد أن فقدان الوزن بشكل معتدل قلّل من خطر ارتفاع الضغط بشكل كبير. 

شرب الكحول والتدخين:

استهلاك الكحول الزائد يؤدي إلى ارتفاع ضغط الدم، وكذلك التدخين الذي يُضيّق الأوعية الدموية ويزيد من قدرة القلب على العمل. 

قلة النوم ومُتلازمة انقطاع التنفّس أثناء النوم:

النوم غير الكافي ليلًا أو مشاكل مثل انقطاع التنفّس أثناء النوم، تؤثر على الجهاز العصبي الودّي (Sympathetic Nervous System) وتُسبّب ضغطًا أكبر على القلب. 

التوتر المزمن والضغوط النفسية:

الضغوط اليومية تؤدي إلى إفراز هرمونات مثل الكورتيزول والأدرينالين التي تجعل الأوعية الدموية أكثر ضيقاً، ما يؤدي إلى رفع ضغط الدم. 

النظام الغذائي غير المتوازن:

تناول كميات كبيرة من الدهون المشبعة، السكريات الزائدة، وقلة الفواكه والخضروات يُؤثّر سلبًا على الشرايين، ويُسهّل حدوث تصلّب الشرايين (atherosclerosis) الذي بدوره يُؤدي إلى ارتفاع ضغط الدم. 

البيئة وتلوث الهواء:

تُشير بعض الدراسات إلى أن التعرض المستمر لتلوث الهواء أو العيش في بيئات ضاغطة اقتصاديًا/اجتماعياً قد يزيد من خطر الإصابة بارتفاع ضغط الدم. 

الأسباب الطبية المحددة (ارتفاع ضغط الدم الثانوي):

كما ذكرت، حوالي 5-10% من الحالات تكون نتيجة سبب طبي واضح، ما يجعل التشخيص والتعامل مختلفًا. هنا بعض الأسباب:

  • أمراض الكلى المزمنة أو تشكّل انسداد في شرايين الكلى.
  • اضطرابات الغدد الصمّاء مثل فرط إفراز الألدوستيرون أو مشاكل الغدة الدرقية. 
  • انقطاع التنفّس أثناء النوم.
  • بعض الأدوية أو المكملات أو وسائل منع الحمل التي قد تؤدي إلى ارتفاع الضغط. 

بمجرد اكتشاف السبب الطبي الواضح، يصبح بالإمكان معالجة السبب، ما قد يؤدي إلى خفض الضغط أو جعله يتحكم فيه بشكل أفضل.

لماذا هذه الأسباب مهمة؟ وكيف تؤثر على حياتك اليومية؟

فهم الأسباب ليس مجرد علم، بل وسيلة لفهم كيف يمكن أن تغير أفعالك اليومية وتقلّل من خطر الإصابة أو مضاعفات المرض. 

فمثلًا إذا كنت تعلم أن تاريخ عائلتك يحتوي على ضغط دم مرتفع، فهذا يجعلك أكثر حرصًا في مراقبة الوزن والنظام الغذائي والنشاط البدني.

إذا اكتشفت أنك تنام قليلاً أو تعاني من انقطاع في التنفس ليلاً، فربما يكون هذا جزءًا من “علامة تحذير” يجب معالجتها قبل أن يصبح الضغط المرتفع مستقراً.

إذا كان عملك يتطلّب ساعات طويلة جالسة، فهذا يُشجّعك على أن تُدخل نشاطاً يومياً، وتُقلّل من الجلوس المتواصل.

العديد من هذه الأسباب قابلة للتعديل، أي أنك لديك القدرة على تغييرها، ومن ثم تغيير مسار صحتك. 

ومثلما تشير WHO فإن “الأسباب القابلة للتعديل تشمل النظام الغذائي، كثرة الملح، السُمنة، قلة النشاط البدني، تعاطي التبغ والكحول”. 

ماذا تفعل بعد أن تعرف الأسباب؟

أولًا، اقرأ ضغط دمك بانتظام. قد لا تشعر بأي أعراض، لكن الكشف المبكر هو المفتاح.

ثانيًا، راجع طبيبك إذا وجدت لديك عوامل خطر أو التاريخ العائلي، الطبيب قد يقترح فحوصاً خاصة أو تغييرات نمطية مبكّرة.

ثالثًا، تغيّر نمط حياتك تدريجياً: قلّل الملح، زد من الفواكه والخضار، مارس نشاطاً بدنيًا 30 دقيقة على الأقل 5 أيام في الأسبوع.

رابعًا، راقب نومك، حاول ألا تقلّ ساعات النوم عن 7-8 ساعات، وإذا شككت في انقطاع تنفّسك أثناء النوم فاستشر متخصصًا.

خامسًا، قلّل التوتر بوسائل مثل التأمل، التنفّس العميق، أو ممارسة هواية تحبها، لأنه ليس المال فقط الذي يُقلّل التوتر، بل التحكم بردود فعلك اليومية.

وأخيرًا، إذا قرّر الطبيب أنه لابد من دواء، فالتزم به، لكن افهم أن الدواء لا يغني عن التغيرات الحياتية، بل يُكمّلها.

تنبيه: هذا المقال للأغراض المعلوماتية فقط، ولا يغني عن استشارة الطبيب أو الاختصاصي الصحي في حال وجود شكوك أو حالة طبية مُشخّصة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى