بزنس

أمازون تستغني عن 14 ألف موظف وتستبدلهم بالذكاء الاصطناعي

في خطوة جديدة تُعيد رسم خريطة العمل داخل واحدة من أضخم شركات التكنولوجيا في العالم، أعلنت شركة أمازون عن تقليص نحو 14 ألف وظيفة من موظفيها الإداريين حول العالم، في إطار خطة أوسع للتحول نحو الاعتماد المتزايد على الذكاء الاصطناعي وإعادة هيكلة أقسامها التشغيلية.

القرار الذي فاجأ كثيرين داخل الشركة وخارجها لم يكن وليد اللحظة، بل يمثل تتويجًا لمسار طويل من المراجعة الداخلية التي بدأتها أمازون منذ انتهاء ذروة جائحة كورونا، حين توسّعت بشكل غير مسبوق لتلبية الطلب على التسوق الإلكتروني والخدمات السحابية.

ومع انحسار الوباء، بدا واضحًا أن ذلك التوسع ترك الشركة محملة بأعباء إدارية تفوق احتياجاتها الفعلية.

البداية: تسريب ثم تأكيد

حسب تقرير نشرته وكالة رويترز، بدأت أمازون بالفعل في إرسال خطابات إنهاء الخدمة إلى العاملين المتأثرين، بعد تسريب أولي أفاد بأن الشركة تخطط لتسريح ما يصل إلى 30 ألف موظف.

ورغم أن أمازون لم تؤكد الرقم الأكبر رسميًا، فإنها لم تُخفِ أن المزيد من التخفيضات سيأتي لاحقًا، في ظل ما وصفته بأنه “مراجعة مستمرة لهيكل القوة العاملة”.

في رسالة بريد إلكتروني داخلية، أبلغت بيث جاليتي، نائبة رئيس قسم تجربة الأفراد والتكنولوجيا، الموظفين المتضررين بأن أدوارهم “لم تعد مطلوبة” داخل الشركة، وأن فترة إنهاء الخدمة ستتضمن مهلة تمتد لتسعين يومًا يمكنهم خلالها البحث عن فرص جديدة داخل أمازون نفسها، مع أولوية التوظيف لهم في حال توفر شواغر مناسبة.

ووفقًا لما نقلته رويترز، أُرسلت الرسائل إلى البريد الشخصي للعاملين فجراً، وجاء في أحدها: “لم تعد مطالبًا بأداء مهام عملك نيابة عن أمازون.”

ذكاء اصطناعي يأخذ مكان الإنسان

تأتي هذه الخطوة في سياق تحول استراتيجي يقوده المدير التنفيذي آندي جاسي، الذي شدد في أكثر من مناسبة على أن الذكاء الاصطناعي سيكون “القوة المحركة” التالية لنمو أمازون، لكنه في الوقت ذاته سيتسبب في “إعادة توزيع” أدوار البشر.

ففي تصريحات سابقة خلال يونيو الماضي، لمح جاسي إلى أن إدخال أدوات الذكاء الاصطناعي التوليدي سيساعد على أتمتة العديد من المهام الروتينية، ما سيؤدي بطبيعة الحال إلى تقليص عدد الموظفين الإداريين.

واليوم يبدو أن هذه الرؤية بدأت تدخل حيز التنفيذ.

تعمل أمازون على دمج الذكاء الاصطناعي في مختلف عملياتها، من تحسين تجربة المستخدم في متاجرها الإلكترونية، إلى تطوير روبوتات قادرة على إدارة المستودعات بشكل شبه مستقل، مرورًا بتسريع كتابة الأكواد البرمجية داخل خدماتها السحابية AWS.

وقالت جاليتي في مذكرتها “الذكاء الاصطناعي يمثل الجيل الأكثر تحوّلًا من التقنيات منذ ظهور الإنترنت، فهو يمكّن الشركات من الابتكار بوتيرة أسرع من أي وقت مضى.”

خطوة إصلاحية أم هزة داخلية؟

لا تُخفي أمازون أن عملية التسريح الأخيرة هي الأعمق منذ الموجة السابقة التي شهدت إلغاء نحو 27 ألف وظيفة في عامي 2022 و2023.

وتشمل الأقسام المتأثرة هذه المرة إدارات Alexa، Prime Video، الإعلانات، التشغيل، الموارد البشرية، إلى جانب AWS، عمودها الفقري في خدمات الحوسبة السحابية.

وتقول الشركة إن الهدف هو “تسريع وتيرة اتخاذ القرار وتقليص البيروقراطية” التي تراكمت داخل هياكلها الإدارية الضخمة.

فقد أطلق جاسي العام الماضي ما وصفه بـ“خط الشكاوى المجهول” لتلقي اقتراحات الموظفين حول تبسيط الإجراءات الداخلية، وهو ما أسفر عن أكثر من 1500 ملاحظة أدت إلى تنفيذ 450 تغييرًا في أنظمة العمل.

ورغم أن الأسواق لم تتفاعل بشكل درامي مع الإعلان، فإن سهم أمازون ارتفع بنسبة طفيفة بلغت 0.8% في منتصف تعاملات الثلاثاء، لكنه ما يزال الأسوأ أداءً بين مجموعة “السبعة العظماء” من عمالقة التكنولوجيا، إذ لم يتجاوز ارتفاعه الإجمالي منذ بداية العام 3.5% فقط.

الذكاء الاصطناعي: ابتكار بثمن باهظ

تقول مصادر داخل الشركة إن أمازون تستعد لاستثمار نحو 118 مليار دولار خلال هذا العام في البنية التحتية للذكاء الاصطناعي والحوسبة السحابية، وهو رقم يعكس مدى رهانها على المستقبل الرقمي.

لكن هذا الرهان يأتي على حساب الوظائف البشرية التي تشكّل الكلفة الأعلى في ميزانيات الشركات العملاقة.

السيناتور الأمريكي بيرني ساندرز انتقد الخطوة بشدة، مطالبًا مؤسس أمازون جيف بيزوس بتوضيح “مصير مئات الآلاف من الوظائف التي قد تُلغى مستقبلًا بسبب الأتمتة”.

واستشهد ساندرز بتقرير نشرته صحيفة نيويورك تايمز الشهر الماضي، أشار إلى أن بعض المديرين التنفيذيين في أمازون يتوقعون الاستغناء عن نحو 500 ألف وظيفة تدريجيًا مع إدخال الروبوتات إلى المخازن.

كما تساءل عضوان في مجلس الشيوخ عن سبب استمرار الشركة في كونها أكبر مستخدم لتأشيرات H-1B للعمالة الأجنبية الماهرة في الولايات المتحدة، في الوقت الذي تُقلّص فيه أعداد موظفيها المحليين.

ما بين الكفاءة والإنسان

من منظور إداري بحت، تبدو خطوة أمازون منطقية؛ فالشركة تحاول التكيّف مع واقع جديد تفرضه ثورة الذكاء الاصطناعي، وتسعى إلى خفض النفقات استعدادًا لموسم العطلات الذي يشهد منافسة شرسة.

لكنها أيضًا تفتح بابًا واسعًا للنقاش حول مستقبل العمل ذاته، إلى أي مدى يمكن للتقنية أن تحل محل البشر دون أن تفقد الشركات روحها؟

من المؤكد أن أمازون ليست وحدها في هذا الاتجاه. فشركات كبرى مثل مايكروسوفت وجوجل وميتا أعلنت أيضًا عن تسريحات مرتبطة بدمج أدوات الذكاء الاصطناعي داخل عملياتها اليومية.

إلا أن رمزية أمازون، باعتبارها ثاني أكبر جهة توظيف في العالم بعد “وول مارت”، تجعل وقع القرار أعمق وأكثر دلالة.

ورغم أن الشركة أكدت استمرارها في التوظيف “في مجالات محددة”، فإن طبيعة هذه المجالات التي تتركز في علوم البيانات والهندسة السحابية وتطوير الأنظمة الذكية توحي بأن الباب بات مفتوحًا أمام جيل جديد من الموظفين الذين يتحدثون بلغة الآلة أكثر من لغة الإدارة التقليدية.

ما ينتظرنا بعد

حتى الآن، لا توجد مؤشرات واضحة على المدى الزمني الذي ستستغرقه خطة التقليص الشاملة.

فالملاحظ من الرسائل الداخلية أن عمليات التسريح ستتواصل حتى عام 2026، في الوقت الذي تواصل فيه أمازون البحث عن مواهب جديدة تدعم توسعها في البنية التحتية للذكاء الاصطناعي.

وتؤكد جاليتي أن الشركة “لن تتوقف عن التوظيف كليًا”، لكنها ستعيد توزيع مواردها نحو الأقسام ذات الأولوية، وهو ما يعني أن المسألة ليست فقط خفضًا في النفقات، بل إعادة رسم لهوية أمازون التنظيمية بالكامل.

في المحصلة، ما يجري داخل أمازون اليوم لا يمكن قراءته بمعزل عن التحول العالمي الذي تعيشه بيئة العمل.

فبينما يُنظر إلى الذكاء الاصطناعي بوصفه أداة لتسريع الإنتاج وتحسين الكفاءة، يبدو أنه يتحول تدريجيًا إلى سبب مباشر لتقليص البشر من المعادلة.

وربما تكون هذه هي المفارقة الكبرى في قصة أمازون، شركة بنت مجدها على خدمة الإنسان العادي في كل مكان، تجد نفسها اليوم تستغني عن آلاف من هؤلاء الذين كانوا وراء هذا المجد.

لكن السؤال الأعمق يظل مطروحًا، هل سيأتي يوم تعمل فيه أمازون، ومن بعدها العالم كله، من دون بشر تقريبًا؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى